جوزيف حبيب

ترامب والزنزانة و"الشرف العظيم"

26 نيسان 2024

02 : 00

ترامب متحدّثاً للصحافيين في محكمة مانهاتن الجنائية أمس (أ ف ب)

لم يمرّ في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية مرشّح رئاسي عن أحد الحزبَين الرئيسيَّين كترامب. تُلاحق «ساحر» اليمينيين متاعب قانونية وقضائية تُعقّد حملته الرئاسية من دون القدرة على ايقافها. إنطلقت منتصف هذا الشهر أوّل محاكمة جنائية لرئيس أميركي سابق في مانهاتن - نيويورك، تتعلّق باتهام ترامب بتزوير سجلات تجارية لإخفاء أثر مبالغ مالية دُفعت لشراء صمت «النجمة الإباحية» ستورمي دانييلز في شأن علاقة جنسية مُفترضة بينهما عام 2006، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016 التي توّجته قائداً للعالم الحرّ.

يطرح مراقبون الكثير من علامات الاستفهام عن مصير ترامب وترشيحه. هل يصل الأمر بمرشّح الحزب الجمهوري إلى خوض الانتخابات من خلف القضبان، كما حصل مع المرشّحَين، اليساري يوجين فيكتور ديبس عام 1920، واليميني ليندون لاروش عام 1992؟ علماً أن ديبس ولاروش لم يكونا يُمثلان آنذاك أيّاً من الحزبَين الرئيسيَّين خلافاً لترامب، وهذا الاحتمال ليس حتميّاً، لكنّه يبقى وارداً لأنّ ترامب يواجه 88 تهمة في 4 دعاوى جنائية منفصلة.

ترامب شخصيّاً لم يستبعد دخوله السجن، حتّى أنّه هاجم القاضي خوان ميرشان الذي يرأس محاكمته في مانهاتن، قبل بدئها، وكتب على شبكته «تروث سوشال»: «إذا كان هذا الدجّال المنحاز يُريد أن يزجّ بي في السجن لقولي الحقيقة الواضحة والجليّة، فسأُصبح بكلّ سرور نيلسون مانديلا العصر الحديث - سيكون ذلك شرفاً عظيماً»، فيما سبق لترامب أن قارن نفسه بالرئيس الجنوب أفريقي الراحل خلال تجمّع انتخابي العام الماضي.

يحرص ترامب على تصوير نفسه أمام الرأي العام بأنّه مُرشّح مُعارض تضطهده إدارة بايدن والنُخبة الحاكمة في واشنطن، خصوصاً أنّه محظور عليه انتقاد الشهود والمدّعين وموظّفي المحكمة والمحلّفين علناً تحت طائلة الغرامة أو السجن، ما يعتبره حرماناً من «حقّه الدستوري» في حرّية التعبير، إضافةً إلى أنّه أصبح «مسجوناً» لساعات داخل قاعة المحكمة، حيث أمره القاضي بحضور كلّ جلسات المحاكمة، الأمر الذي خفّف من زخم حملته الإنتخابية وفرض عليه تقليص جولاته على الولايات وتجمّعاته الجماهيرية لمدّة قد تمتدّ شهرين أو أكثر، فيما يتنقّل خصمه بايدن بين الولايات لحشد الناخبين.

«محاكمة نيويورك» الجنائية قد تكون الوحيدة التي ستصل إلى خواتيمها قبل موعد الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني، لكنّها بنظر الأميركيين الأقلّ أهمّية مقارنة بالقضايا الأخرى المتّصلة بـ»محاولات غير مشروعة» مزعومة لقلب نتائج انتخابات 2020، والتي تواجهه أمام القضاء في العاصمة واشنطن وفي ولاية جورجيا، فضلاً عن قضية احتفاظه بوثائق سرّية تلت مغادرته البيت الأبيض أمام القضاء في فلوريدا.

المحاكمات في هذه الدعاوى الجنائية الثلاث ما زالت مؤجّلة، خصوصاً مع نظر المحكمة العليا في مسألة «الحصانة» التي كان يحظى بها ترامب أثناء تولّيه مهماته الرئاسية. إنّ توقيت إصدار المحكمة العليا قرارها المفصلي سيؤدي دوراً بارزاً في ما إذا كان ترامب سيتمكّن من تفادي محاكمة أخرى قبل موعد الاستحقاق الرئاسي أم لا، طبعاً إلى جانب فحوى القرار وتداعياته، في حين يواجه الرئيس السابق في حال إدانته في هذه القضايا عقوبة قد تصل إلى السجن لعقود.

سيناريو دخول ترامب السجن يبقى معضلة سياسية وأمنية ولوجستية «مُرعبة» لم يسبق لها مثيل إطلاقاً، فقد يضطرّ جهاز «الخدمة السرّية» المُكلّف أمن الرؤساء الحاليين والسابقين إلى تخصيص مبنى فارغ ضمن مجمّع سجون أو حتّى منشأة بكاملها لسجن ترامب داخلها، تكون مطابقة للمعايير الأمنية الدقيقة المُعتمدة لرئيس سابق لا يجوز وضعه مع سجناء آخرين، بينما يتوجّب فحص كلّ غرض يُريد استخدامه وصولاً إلى طعامه وشرابه حفاظاً على سلامته.

ولو كان مصير ترامب السجن قبل موعد «العرس الديموقراطي»، فلن يحول ذلك دون خوضه السباق الرئاسي من خلف القضبان، إلّا في حال تنازله لمرشّح جمهوري آخر، وهذا خيار غير وارد في حسابات ترامب لـ»صراع العروش». لا أحد يستطيع التكهّن بمسار الاستحقاق الرئاسي الفريد من نوعه هذا العام، وما يُخفيه المستقبل من تطوّرات وأحداث، بيد أن «معركة» ترامب الثالثة للوصول إلى البيت الأبيض، تُثير اهتمام وفضول الخبراء السياسيين والدستوريين والقانونيين، وقد تُدخل مفاهيم وقواعد وأمثلة جديدة إلى مناهج الحقوق والعلوم السياسية والعلاقات الدولية.

MISS 3