لين أودونيل

تنظيم "القاعدة" يعود للازدهار في أفغانستان

27 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

يشاهدان تغطية تلفزيونية تعلن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن (كابول - افغانستان - 2 ايار 2011)

عاد تنظيم «القاعدة» إلى حيله القديمة في أفغانستان. على غرار ما فعله هذا التنظيم الإرهابي قبل التخطيط لهجوم 11 أيلول، ها قد بدأ يدير معسكرات تدريب للمتشددين مجدداً، وهو يتقاسم أرباح تجارة المخدرات غير الشرعية والتعدين والتهريب مع حركة «طالبان»، وينقل العائدات إلى جماعات جهادية تابعة له حول العالم.

يُفصّل تقرير غير منشور ومتداول وسط الديبلوماسيين الغربيين والمسؤولين في الأمم المتحدة إلى أي حد أصبحت هذه الجماعة راسخة في عمليات «طالبان»، فهي تنهب ثروة أفغانستان الطبيعية وتسرق المساعدات الدولية التي تهدف إلى تخفيف معاناة ملايين الأفغان.

تسعى «القاعدة» إلى تحقيق طموحاتها عبر جمع عشرات ملايين الدولارات أسبوعياً من مناجم الذهب في ولايتَي بدخشان وتخار في شمال أفغانستان، حيث ينشط عشرات آلاف العمّال ويحظون بحماية أمراء حرب من أصدقاء «طالبان». تساوي تلك الأموال حوالى 25 في المئة من عائدات مناجم الذهب والأحجار الكريمة. تتقاسم جماعتان تابعتان لحركة «طالبان» تلك الأموال: فرع كابول بقيادة سراج الدين حقاني، وفرع قندهار بقيادة هبة الله أخوندزاده، ما يثبت اهتمام هذين الزعيمَين، اللذين يُعتبران من ألدّ الأعداء، بتقوية علاقتهما مع «القاعدة» لتحقيق مصالحهما تزامناً مع ترسيخ قوة التنظيم.

تصل أرباح «طالبان» الشهرية من مناجم الذهب إلى 25 مليون دولار، لكن لا تظهر هذه المبالغ في الموازنة الرسمية. يذكر التقرير أن تلك الأموال «تصل مباشرةً إلى جيوب كبار المسؤولين في «طالبان» وشبكاتهم الشخصية». وبما أن عمليات التعدين انطلقت في بداية العام 2022، بلغت حصة «القاعدة» 194.4 مليون دولار.

عمدت «طالبان»، بعد عودتها إلى السلطة في آب 2021، إلى ضمّ عدد كبير من جماعات إرهابية قاتلت إلى جانبها ضد جمهورية أفغانستان التي كانت مدعومة من الولايات المتحدة. لكن لطالما أنكرت إدارة جو بايدن إقدام «القاعدة» على إعادة ترسيخ نفسها في أفغانستان، أو حتى استمرار العلاقة القديمة والوثيقة بين «القاعدة» و «طالبان».

لكن تفتقر تلك المواقف إلى الصدقية، إذ تتراكم الأدلة التي تثبت عمق العلاقة بين الجماعتَين مع مرور الوقت. حضّر مجلس الأمن في الأمم المتحدة ومكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، بتكليف من الكونغرس الأميركي، تقارير متكررة عن علاقة «طالبان» التكافلية مع عشرات الجماعات الإرهابية المحظورة، بما في ذلك «القاعدة».

لم يصدّق عدد كبير من الخبراء تطمينات قادة «طالبان» حول انتهاء علاقة الحركة مع «القاعدة»، خلال المفاوضات التي جمعتهم مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وأدت إلى الانسحاب الأميركي المشين من أفغانستان. كانت خطة أسامة بن لادن المرتبطة بإقامة دولة خلافة عالمية، مقرها أفغانستان، المبدأ التوجيهي للحرب التي أعادت نظام «طالبان» إلى السلطة. برأي مسؤول غربي في كابول، لا يختلف هذا النظام عن الذي نشأ بين العامين 1996 و2001 إلا بقدرته المتزايدة على قمع الناس.

تصدّرت تلك العلاقة التاريخية عناوين الأخبار العالمية حين قُتِل خَلَف بن لادن، أيمن الظواهري، في 31 تموز 2022، عبر ضربة أميركية بطائرة مسيّرة عندما كان يقف بجوار نافذة داخل فيلا في كابول. ارتبط ذلك المكان بحقاني، رئيس «شبكة حقاني» المستقلة في نشاطاتها وعضو في قيادة «القاعدة». هو نائب رئيس «طالبان» أيضاً ووزير الداخلية في حكومتها، ما يعني أنه يشرف على الوضع الأمني. يقال إنه يريد أن يصبح المرشد الأعلى وصولاً إلى استلام منصب الخليفة.

يذكر التقرير أن «طالبان» تستطيع التحرك اليوم بلا محاسبة، لذا بدأت تُزوّد قادة وعناصر «القاعدة» بكل ما يحتاجون إليه مجدداً، بدءاً من الأسلحة وصولاً إلى الزوجات، والمنازل، وجوازات السفر، وحق الوصول إلى شبكة تهريب واسعة بُنِيت على مر عقود لتسهيل إنشاء إمبراطورية الهيروين التي موّلت حرب «طالبان».

تغيّرت استعمالات الطرقات، فتحوّلت إلى ممر لتهريب الميثامفيتامين الأقل كلفة والأكثر درّاً للأرباح، والأسلحة، والأموال النقدية، والذهب، وممنوعات أخرى. كذلك، يتجوّل مقاتلون من اليمن، وليبيا، والصومال، والأراضي الفلسطينية، في معسكرات التدريب التي تديرها «القاعدة» وفتحت أبوابها منذ عودة «طالبان» إلى السلطة. تتولى المديرية العامة للاستخبارات التابعة لـ»طالبان» إرساء الأمن هناك.

يشمل التقرير أيضاً لائحة بأسماء قادة «القاعدة»، كان بعضهم ملازماً تابعاً لأسامة بن لادن حين كان يعيش في أفغانستان أثناء التخطيط للاعتداءات ضد الولايات المتحدة. أدت تلك الأعمال الوحشية إلى تسريع الغزو الأميركي ودفع بن لادن وقادة «طالبان» للانتقال إلى باكستان، حيث حصلوا على ملجأ آمن، وأموال، وأسلحة، من وكالة الاستخبارات الباكستانية.

يقول هانز جاكوب شندلر، مدير «مشروع مكافحة التطرف» في برلين ونيويورك وخبير في شؤون الإرهاب: «كما هو متوقّع، تكشف نتائج التقرير أن قادة «طالبان» ما زالوا مستعدين لحماية قادة «القاعدة» والمسلّحين التابعين للتنظيم، بمن فيهم المقاتلون الإرهابيون الأجانب المنتمون إلى لائحة طويلة من فروع «القاعدة». من الواضح أن «طالبان» لم تُغيّر موقفها يوماً من الإرهاب الدولي، لا سيما «القاعدة».

يظن عدد كبير من المحللين أن قرار الرئيس جو بايدن بتنفيذ اتفاق الانسحاب الذي أبرمه ترامب جعل أفغانستان بيئة حاضنة للتطرف والإرهاب. عبّر قادة الدول المجاورة والإقليمية، بما في ذلك إيران، وباكستان، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، ودول في آسيا الوسطى، عن قلقهم من التهديدات التي تطرحها طموحات «طالبان» العابرة للحدود. كذلك، استنكرت شخصيات بارزة في الأمم المتحدة، من أمثال المقرر الخاص ريتشارد بينيت، حملة «طالبان» التي تقمع الحقوق والحريات وتعتقل المعارضين وتقتلهم.

في شهر شباط الماضي، نشر «معهد جورج بوش الإبن» أول تقرير من سلسلة «الدولة الأسيرة» المؤلفة من ثلاثة أجزاء، بعنوان «الفساد والكليبتوقراطية في أفغانستان خلال عهد طالبان»، وهو يوصي واشنطن والأمم المتحدة بالتحرك لكبح تجاوزات «طالبان». حتى أنه يدعو الأميركيين وحلفاءهم إلى «الضغط على داعمي فساد «طالبان» الأجانب والجهات التي تحاول تحسين سمعتها لوقف تسهيل النشاطات التجارية والاقتصادية الفاسدة، وعمليات التهريب غير الشرعية، ونقل الثروات الشخصية وتخزينها خارج أفغانستان».

يشدد ذلك التقرير أيضاً على ضرورة أن تطالب الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى بتوسيع نطاق المحاسبة لمراقبة طريقة استعمال المساعدات وتوزيعها، وهو يدعو الجهات الدولية المانحة إلى دعم المجتمع المدني الذي تستهدفه «طالبان».

يشير هذا الجانب من التقرير إلى مساعدات بقيمة مليارات الدولارات تلقّتها أفغانستان منذ انهيار الجمهورية، بما في ذلك مبالغ نقدية ومثيرة للجدل بقيمة 40 مليون دولار أسبوعياً، ما سمح بالحفاظ على استقرار العملة المحلية رغم الانهيار الاقتصادي. تُعتبر الولايات المتحدة أكبر داعمة للبلد، فهي حوّلت أكثر من 2.5 مليار دولار بين تشرين الأول 2021 وأيلول 2023. كذلك، نشرت صحيفة «فورين بوليسي» تقارير مفصّلة عن سرقة «طالبان» المنهجية للمساعدات الإنسانية الخارجية لإعادة توزيعها على مناصريها، ما أدى إلى تفاقم مظاهر الفقر.

يُعتبر تقرير «معهد بوش» من الدراسات الشاملة القليلة التي تحلل تأثير عودة «طالبان» إلى السلطة وتدعو علناً إلى محاسبة الحركة على أفعالها. يقترح هذا التقرير مثلاً منع قادة «طالبان» من السفر الدولي، لكن يتجاهل الكثيرون هذه المطالب دوماً.

يذكر التقرير أن الاعتراف بـ»طالبان» كحاكمة شرعية لأفغانستان قد يرسّخ مطالبات الحركة بالسلطة ويقوي مكانتها عبر تسهيل حصولها على الأموال النقدية. يتزامن هذا التحذير مع زيادة المخاوف من استعداد الولايات المتحدة لإعادة فتح سفارتها في كابول، فقد تعتبر «طالبان» هذه الخطوة اعترافاً ضمنياً بها.

وفق تقرير «معهد بوش»، حسّنت «طالبان» قدرتها على الاستفادة من الموارد من خلال حبس الدولة الأفغانية، فأصبحت الحركة في موقف مثالي لنهبها وجمع مكاسب فردية.

كذلك، يبدو أن تلك الموارد المسروقة تُستعمَل لإغناء خزائن الجماعات التي تحمل العقلية نفسها. يذكر التقرير الذي لم تنشره الشركة في لندن 14 فرعاً تابعاً لتنظيم «القاعدة» (يُعدّد فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن في الأمم المتحدة معظم تلك الفروع)، وهي تستفيد مباشرةً من عائدات التعدين وتشمل سبعة فروع داخل أفغانستان (منها «حركة تركستان الشرقية الإسلامية» المعادية للصين، و»جماعة أنصار الله» المعادية لطاجيكستان، و»حركة طالبان باكستان» التي تحارب الدولة الباكستانية)، بالإضافة إلى سبع جماعات تنشط في أماكن أخرى: «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية»، و» «القاعدة» في اليمن»، و» «القاعدة» في العراق»، و» «القاعدة» في سوريا»، و» «القاعدة» في شبه القارة الهندية»، و» «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي»، وحركة «الشباب» التي تنشط عموماً في شرق أفريقيا.

بالنسبة إلى الحكومات الغربية التي تفكّر بتوثيق علاقاتها مع نظام «طالبان» أو حتى الاعتراف به ديبلوماسياً، يطلق شندلر من «مشروع مكافحة التطرف» تحذيراً قوياً: «طالبان ليست شريكة جديرة بالثقة لمكافحة الإرهاب، ولا حتى على المستوى التكتيكي. لا تزال هذه الجماعة من أبرز داعمي الإرهاب حول العالم».

MISS 3