نوال نصر

فارس سعيد: هذه هي أخطائي "التقديرية"... والهامش اللبناني لدى "الحزب" صفر

توحّدوا ولو على الشر (تصوير رمزي الحاج)

فارس سعيد. هو الطبيب الذي اختار السياسة وأهمل «الدكترة» رافضاً الجمع بين عملين. يأبى الدكتور- السياسي الإستراحة. يطلّ قبل الظهر على الشاشة ثم يطل بعد الظهر عبر أثير إذاعة أو صحيفة أو من خلال بيان أو... أو... ومع بزوغ كلّ فجر يطلّ مغرداً عبر منصّة أكس. كثيرون ينتقدونه وكثيرون معجبون بأسلوبٍ يتمتع به وهو العارف - غالباً - كيف يضع نقاطاً على حروفٍ من دون تسطيح. هو أخذ من العاقورة صلابتها ومن قرطبا انفتاحها. وبين بين لا يتعب من إنشاء لقاءات وإطلاق مبادرات وخوض تجارب. اليوم، في ذكرى الإنسحاب السوري من لبنان هل لديه بعد ما يقوله؟ ماذا عن الوجه الآخر للطبيب مع وقف التنفيذ ومع السياسي الخارج من العمل السياسي الفعلي والمنسق الذي دفن 14 آذار ويبحث عن 14 آذار جديدة؟ هو اسمٌ يستحق أن نغوص في أبعاد شخصية صاحبه الذي في كلِ مرّة يتعب فيها يمشي في الجرد مستمداً من سكونه زوادة جديدة. لقاءٌ معه. فهل في جعبة الرجل ما لم يقله من قبل؟



يستفزّ فارس سعيد السؤال: ألم تتعب من الكلام؟ وجوابه حاضر: «لا، لا اعتقد ذلك. اثق أن لا مكان للفراغ السياسي في الحياة الطبيعيّة. فالطبيعة تكره الفراغ. وطالما الله يعطيني الصحّة فلن أتعب. سأستمرّ متمسكاً بما بدأته. ومثلي مثل كل الناس أصبت في مكان وأخطأت في مكان».

أين أخطأ فارس سعيد؟ يجيب: «أف...». هل نفهم من الـ «أف» أن أخطاءه كثيرة؟ «مثلما تعرفين أن من يعمل يُخطئ ومن لا يفعل شيئاً قد لا يُخطئ. عملياً، تفرغت منذ العام 2000 للسياسة وتركت الطب نهائياً في العام 2008. ساهمتُ بمبادرات سياسية أولاها لقاء سيدة الجبل ولقاء قرنة شهوان ووطدت العلاقة مع المنبر الديموقراطي وكنت حاضراً في مصالحة الجبل مع وليد جنبلاط ثم في البريستول ثم 14 آذار، وكانت لي تجاربي الإنتخابية. مسيرتي طويلة وأخطائي قد تكون عديدة والإصابات أيضا عديدة».

لكن، ما هو الخطأ الذي ندم عليه؟ يجيب: «هناك اخطاء تقديرية وأخرى تنفيذية. خطئي أنني لم أقدّر عام 2005 حالة حزب الله بشكلٍ صحيح. كانت معركتنا مصوّبة على بشار الأسد ولم أعِ انه ليس هناك هامش لبناني لـ»حزب الله» بعكس القوات اللبنانية التي بنت تحالفات إقليمية كثيرة لكنها احتفظت بهامش لبناني. وأعتقد أن بشير إستشهد داخل هذا الهامش. كمال جنبلاط فعل هذا أيضا واستشهد في هذا الهامش. تقديري في ما خصّ «حزب الله» كان خاطئا. هامش الحزب لبنانياً كان صفراً. وهذا ما عرفته لاحقاً. تقديري في شأنه كان خاطئاً. قدم «حزب الله» نفسه على أنه يدافع عن المصلحة اللبنانية ويسخّر المصلحة الإيرانيّة لصالح لبنان لكن تبيّن لاحقا أنه يعمل مئة في المئة لمصلحة إيران بلا اي هامش لبناني. هذا الخطأ رتّب أخطاء تنفيذية ظهرت في التحالف الرباعي وحكومات الوحدة الوطنية ومحاولات استرضاء حزب الله بطرق معينة من خلال قانون الإنتخاب. هذا الخطأ التقديري أدى الى أخطاء تنفيذية جمّة».

خطأ آخر تقديري إرتكبه: «إعتقدت أن بمجرد خروج الجيش السوري من لبنان، ستُحلّ الأزمة اللبنانية لكن سرعان ما اصطدمنا بواقع «حزب الله «ولم تحلّ الأزمة. لاحقاً، حصل خلاف بيني وبين اصحاب وجهة نظر أخرى. قلنا ان المعركة تستمر معركة إستقلال في حين اعتبر غيري أنها معركة نظام ويجب تعديل النظام ليتمكن المسسيحيون والمسلمون من العيش في صيغة جديدة. أنا اقول، إنه بغض النظر عن احقية هذه المعركة الإصلاحية فإذا خضناها اليوم فسنضيّع الهدفين معاً».

في قرطبا أيام الإنتخابات



يوم الإنسحاب


كيف عاش فارس سعيد تفاصيل إنسحاب الجيش السوري من لبنان؟ هل ما زال يتذكر تلك اللحظة؟ يجيب: «كنت في بيروت. وليل 25- 26 نيسان عام 2005 بدأت تردنا مشاهد وصور عن خروج الشاحنات عبر المصنع. سمعت تهليل الناس وفرحهم. كان يوماً إستثنائياً. حتى نحن، من خلال عملنا لهذه اللحظة لم نتوقع أن نرى هذه الصورة. كان ذاك النهار فخراً لنا سجلنا فيه أقصى درجات الفرح. كل القيادات في 14 آذار لم تصدق ما رأت. تحقق ما عملنا له جاهدين. هو نهار تكاملت فيه المبادرة الوطنية المتمثلة في 14 آذار مع الإرادة الدولية وأدت الى ما أدت إليه. لكننا لم نتصوّر أن يتحقق ذلك بهذه السرعة وبهذا الشكل. وهنا، من الأخطاء التقديرية أننا اعتبرنا أن بمجرد خروج الجيش السوري من لبنان ستأخذ الأمور مجاريها بلا تعب. لكن، تبين لنا لاحقاً ان الطبيعة تكره الفراغ ومكان الجيش السوري حلّت هيمنة إيران على القرار اللبناني».

لا يحبّ فارس سعيد سماع أنه مكان الجيش السوري المحتلّ حلّ إحتلال النازحين السوريين للبنان: «هذا كلام سخيف - معليش سأقول عنه سخيفاً - سوريا قبل العام 2005 كانت تحدد من هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وطبيعة القانون الإنتخابي وطبيعة الوزراء والتركيبة الأمنية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية في البلد. وبالتالي حكمت سوريا لبنان. اما اليوم فوجود النازحين السوريين هو عبء على لبنان. ثمة فارق كبير».

هل اليوم شعار Iran out أصعب من شعار Syria out؟ يجيب: «حين نتكلم اليوم عن إحتلال إيراني فنحن نتحدث عن إحتلال القرار الوطني. وإذا كان هناك من يشك بالعكس فهو مخطئ. خضنا إنتخابات 2005 و2009 و2018 و2022 البرلمانية. وتدرجنا في أربعتها بين الأغلبية المطلقة الى الأغلبية النسبية ولم تحدث الصناديق الإنتخابية أي توازن مع وجود السلاح الذي ألغى نتائج الإنتخابات والحياة الديموقراطية».

اليوم، ماذا يقول من كان منسقاً لحركة 14 آذار للبنانيين؟ «أقول لهم: قمتم بإنجاز لم يسبقكم إليه أحد في العالم العربي. كل الإنتفاضات العربية تحولت الى عنف ودم وانقسامات وانهيارات. أما انتم فحققتم من خلال سلمية الإنتفاضة ووحدتكم نتائج رائعة. اخرجتم أعتى جيش عجزت عن كسره الثورة السورية. أنتم كسرتم الجيش السوري وجعلتموه ينهزم أمامكم».



وعاشق الهايكنغ الدائم



قرطبا والعاقورة

إبن قرطبا ولد في بيروت، في مستشفى والده الدكتور أنطون سعيد في منطقة المتحف ويقول: «كانت تقفل المدرسة في 26 حزيران فننتقل في 27 الى قرطبا. طفولتي الحقيقية كانت هناك. وكنا ننزل قبل يوم واحد من فتح المدرسة الى بيروت، فتشتري لنا والدتنا نهاد زوجيّ أحذية: واحد من باتا والثاني من «ريد شو» والكتب والدفاتر ونذهب الى المدرسة. كنا ننسى اللغة الفرنسية صيفاً. والدتي من العاقورة. وكبرت في بيئة مختلطة بين قرطبا والعاقورة».

العاقورة الصلبة وقرطبا المعتدلة... يقاطعنا بالقول: «صلابة العاقورة وانفتاح قرطبا. قرطبا لائقة بينما العاقورة خشنة وذكية. وأنا فخور أنني انتميت الى كلتيهما». ويستطرد هنا ضاحكاً: «إلتقيت منذ فترة بابني جواد، صغير البيت، في لندن. كان البرد في لندن قارساً. وابني «مهضوم» جداً. عاد باكراً الى البيت فسألته: اين كنت؟ أجابني: أصدقائي يلعبون جميعاً كرة القدم أما أنا فلا أحبها. قلتُ لهم قبل أن أغادر: حين كنت صغيراً لم يحدثني والدي عن برشلونة وريال مدريد بل كان يسألني: أنت مع الطائف او ضدّ الطائف؟ لذا لا تعنيني لعبة كرة القدم». يضحك فارس سعيد لذلك مجدداً.

توفي والده وهو بعمر السبع سنوات ويقول: «أتذكر تلك اللحظة جيداً. لم أنسها. كان يوم سبت. كانت المدارس تفتح يوم السبت. أتى شخص ليقلني الى المنزل. رأيته يبكي. وحين وصلت الى منزلنا في المتحف فهمت. أتت راهبة من مدرسة الناصرة وأخذتني الى بيت جدي وهناك أخبرتني. قالت لي: الله أرسل وراء والدك كونه طبيباً وهناك أشخاص في السماء بحاجة إليه. لم يكن يشكو والدي من شيء لكنه، طبيب قلب، ومات بالقلب وهو يجري عملية جراحية لمريض. كان لا يزال في الأربعين من عمره ونائباً في البرلمان». هل هذا ما جعله يفكّر في امتهان الطبّ؟ يجيب: «جدي كان طبيباً أيضا. تخرّج من الجامعة اليسوعيّة عام 1909. يومها لم يكن قد وجد الأونتبيوتيك حتى في لبنان. في كل حال، يُقال إن مفتاح البطن لقمة وفي بيتنا كان هناك طبيبان وهذا لا بُدّ أن يكون قد أثّر، بشكلٍ ما، عليّ».

هل ندم فارس سعيد على إهمال الطب من أجل السياسة؟ يقول: «لا، ما زلت أقرأ في الطبّ لكني فضلتُ عدم تحمّل مسؤولية المرضى طالما لا يمكنني أن أمنحهم الوقت الكافي. في السياسة تفقدين السيطرة على الوقت وفي الطب أيضاً».

يستقبل فارس سعيد زواره في المركز اللبناني للبحوث والدراسات (LCRS). وهناك صورة كبيرة «مليونية» تعود لليوم الكبير في 14 آذار 2005. ثمة حنين لم يتمكن الطبيب - السياسي من ترويضه.

هو أب لثلاثة أولاد: صبيان وبنت، عليّة، أنطون وجواد. وثلاثتهم في الغربة. وابنته تزوجت قبل أشهر من شاب يحمل الجنسية الإنكليزية. أما زوجته فهي زينة كاراكولا: «إنها تحب الحيوانات وأقنعته أخيرا في تربية كلب. أما رياضة ركوب الخيل التي يهواها فابتعد عنها بعدما سقط عن صهوة الحصان مراراً.


مع عائلته



عون خطير

تابع سعيد دراسة الطب في باريس. ويوم حدثت حرب التحرير، عام 1988، لم يقنعه ميشال عون أبداً: «لم أكن لا مع القوات ولا مع الكتائب لكنني لم أقتنع بعون. هناك شيء داخلي منعني من ذلك، خصوصا أنني أخاف من الموجات الشعبية. في العام 1988 كانت الموجة مع الجنرال حتى في فرنسا. كانت موجة التعاطف معه في فرنسا كبيرة وأسسوا هناك مجموعة سموها: كلنا قادة لبنانيون. وتكاملت الموجة الفرنسية مع تعاطف داخلي في لبنان. الرجل لم يقنعني، لكن أمام هول الحالة أسستُ مع مجموعة أطباء جمعية: Samu du Liban. وأتينا في صيف 1988 الى لبنان حاملين مساعدات طبية الى الجيش اللبناني ومستشفى ضهر الباشق الحكومي ومستشفى عين الحلوة وسيدة لبنان والمستشفى العسكري في بيروت. في هذه المرحلة أيقنت بوجوب العودة النهائية الى لبنان. عدت ولم يكن في كسروان وجبيل إلا طبيب قلب واحد، متقدم في السنّ. كانت هجرة للأطباء مثلما هي اليوم».

نسأل فارس سعيد عن لقائه الأوّل بميشال عون فيجيب: «لم ألتقِِ به إلا مرة او اثنتين. اللقاء الأول كان يوم زرت بعبدا مع كوشنير (وزير الخارجية الفرنسية آنذاك برنار كوشنير) والتقينا ميشال عون، وعدنا وزرنا سليم الحص. وقتها كان زمن الحكومتين. ومهمتنا لم تتعد نقل جرحى من لبنان للعلاج في فرنسا. يومها، لم يقنعني أيضا. عدت والتقيت به في فرنسا عام 2002 وأنا عائد الى لبنان من مؤتمر في لوس أنجليس لقانون محاسبة سوريا. ويوم عاد الى لبنان عام 2005 ألقيت عليه التحية. ولم أره شخصياً منذ ذاك الحين. لم أدق بابه مرة في حياتي. أشعر أنه خطير. هو يغامر بالناس وسياسته تركت نتائج سلبية على مصالح المسيحيين الحقيقية. خطير هذا الرجل. ولا اراه كما يعتقد البعض مجرد إنتهازي، تحالف مع حزب الله ليُصبح رئيساً للجمهورية. هذا رجل مؤدلج، يعرف ما يريد، وخياره تحالف الأقليات في المنطقة في مواجهة الغالبية السنية. هو تحالف مع الشيعة والعلويين ومع جزء من الدروز لأن خياره الحقيقي والضمني تحالف الأقليات في المنطقة. وهذا خطير جدا على المسيحيين».

يتذكر سعيد يوم تعرّف أيضا على سمير جعجع: «لعب الأب الياس العنداري- الذي كان مسؤولاً عن مستشفى المعونات - دوراً في ذلك. كان صديق الدكتور جعجع. تعرفنا وتصادقنا. أحببت سمير جعجع على المستوى الشخصي. وفي العام 1992 قاطعنا معاً الإنتخابات النيابية». ماذا كانت القواسم المشتركة بينكما في ذلك الوقت؟ «كنا نتكلم في السياسة واتفاق الطائف ودور المسيحيين والقوات. كانت تجربته الشخصية تعني لي. وهو درس الطب وأنا أيضا. بقيت العلاقة جيدة حتى البارحة». البارحة؟ متى التقاه آخر مرة؟ يتذكر: «في آخر العام 2016 أو 2017. سبعة أعوام مرّت تقريباً على آخر لقاء. هو أعطى ترتيب البيت المسيحي الأولوية وتجاوز الخلاف مع ميشال عون وصولاً الى إنتخابه. أبلغته أنني لست مع وجهة النظر هذه وغادرت لكنني أظل أحبه على المستوى الشخصي. أنا اعتبرت أن حماية لبنان تمرّ عبر حماية العيش المشترك لا حماية المجتمع المسيحي في لبنان لكنه كان مقتنعاً أن وحدة المسيحيين تشكل قوة تخولهم تكوين ظروف مفاوضة أفضل مع الآخرين. أنا لست مع وجهة النظر هذه. أنا مع الدفاع عن صيغة 43 وعن لبنان الكبير وإتفاق الطائف والدستور اللبناني ونهائية الكيان وعروبة البلد. وهذه أمور مشتركة بيننا وبين المسلمين». لكن كثيراً من اللبنانيين باتوا غير مقتنعين بهذه الصيغة التي تدافع عنها؟ يجيب: «هناك وجهة نظر تقول إن بيننا وبين المسلمين حرباً دائمة، يتخللها مراحل وقف إطلاق النار. وإن لا إمكانية تفاهم معهم على صيغة حكم عادلة نظرًا لديموغرافية المسلمين وارتباطهم بمشاريع ومواقع إقليمية معينة، وبالتالي يجب الخروج من الصيغة. هذه المدرسة موجودة من زمان، منذ ما قبل الكلام عن الفدرالية. لكني مقتنع أن لا بديل عن الوحدة، واي شائبة تنسف هذه الوحدة يجب ترميمها. لا أؤمن بوجود خلاص لجماعة دون غيرها في لبنان».

عاشق ركوب الخيل في شبابه



الحريري

ماذا عن معرفته برفيق الحريري الذي شكّل استشهاده نقطة العبور الى الإستقلال الثاني؟ يجيب: «بعد إعلان نداء مجلس المطارنة، زرتُ، مع منصور البون، الرئيس الحريري. قلنا له: نحن نتَكل عليك، وعلى البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير ان يطالب بخروج الجيش السوري من لبنان. أجابنا: أنتم المسيحيين مجانين، بشار الأسد ليس حافظ الأسد، وأنا لن أقحم نفسي في هذه المعركة. قولوا للبطريرك الماروني أنني لن أزوره إلا في عيد الميلاد. إنقطعت العلاقة مع الحريري. قصدنا بعدها نبيه بري وتجاوب معنا وصعد الى بكركي في 23 تشرين الثاني عام 2000 معلناً إطلاق سراح 48 معتقلا لبنانيا من السجون السورية. دعم بري آنذاك موقف البطريرك صفير. في العام 2004، وصلنا الى قاب قوسين من التمديد الى إميل لحود. في هذه المرحلة تفاهمنا مع الحريري وبعد أن جرى التمديد أصبحنا أكثر من متفاهمين. أسست تلك المرحلة الى إرتباط وتوافق على مسار سياسي معين مع الرئيس الحريري الى حين استشهاده».

يعتبر سعيد أن لقاء قرنة شهوان كان «أهم تجربة ديموقراطية مسيحية مسيحية جديّة» ويقول: «كان على رأس القرنة كنيسة مارونية ممثلة بالمطران يوسف بشارة، الرجل الحكيم والرصين، ووراءها كان بطريركا إستثنائيا، ذات ذكاء حاد، معرفته بالتجربة اللبنانية عميقة جداً منذ ما قبل الحرب. لا ننسى يوم تجاوز خطوط التماس وزار المفتي حسن خالد عام 1986 وكان السوريون يمنعون أي تواصل مسيحي إسلامي».

علاقته مع وليد جنبلاط كانت دائما جيدة: «لديه أياد بيضاء على تجربة 14 آذار. أعرفه من زمان غير أن اللقاء السياسي الأول معه كان داخل مجلس النواب، يوم دافع عن نداء مجلس المطارنة، فهبّ بعض النواب وقالوا له: إن بنادق المقاومين لا ترحم العملاء مثل وليد جنبلاط».


ماتت 14 آذار ودفنتموها... فما هو البديل اليوم عنها؟ يجيب: «البديل عن 14 آذار هو 14 آذار لكن بطبعة جديدة». تحدثت في تغريدة عن وجوب البحث عن تحالف وطني جديد؟ هل سيشبه 14 آذار؟ «لا بديل آخر». حاضرٌ دائماً على منصة أكس. هل هي فشة خلق؟ يجيب: «أستيقظ عادة باكراً وأقرأ باكراً وأعطي إشارة. كثيرون يشتمونني وآخرون يأخذون ما كتبته في توجههم». أليست الشتائم أكثر من رسائل الإعجاب؟ (يضحك): هناك من يرسلون لي الشتائم inbox وإذا تأخرت عن الكتابة يسألونني: لماذا تأخرت؟ وكأنهم يقولون: تكلم لنشتمك».



(تصوير رمزي الحاج)


لا يحب الزراعة. يعشق القراءة وبين يديه اليوم كتاب عن العدالة. يحبّ المشي. وقبل أسبوعين التقى جبران باسيل يمشي. هي المرة الأولى التي يلتقي به منذ العام 2005. فبماذا تحدثا؟ يجيب: لم انتبه له في البداية، لكن الشباب الذين يرافقونني قالوا لي: هذه سيارة مواكبة مع باسيل. أطل في البداية إدي معلوف. كنت أعرف عمه إدغار معلوف. ثم رأيت شابا عرّف عن نفسه: فادي جريصاتي. أخبروني الشباب لاحقاً أنه كان وزيراً للبيئة. وحين اقترب باسيل ألقى التحية علي وحاول أن يمزح. وهناك شاب يرافقني إقترب منه ونزع شوكة كانت مغروزة في سترة يرتديها فقلت له: تمشي معي منذ أربع ساعات وفي النهاية تعتني بباسيل وتنزع عنه شوكة. ضحكنا معا. لم ألتق به منذ العام 2005. كان يأتي في حينها الى اجتماعات البريستول. وكنت أراه أحيانا في اليسار الديموقراطي».



بنى فارس سعيد صداقات وطيدة بينها سيمون كرم وفريد الياس الخازن وسمير عبد الملك وجان عزيز لكن، أبرز صداقة لم ينسها حتى الناس كانت مع سمير فرنجيه «كان صديقي وجزءاً من ثقافتي السياسية اكتسبته منه. محبتي له كبيرة. كنا «كوبل» سياسياً ناجحاً. سمير أجرى نقداً ذاتياً لتجربته اليسارية وكانت لديه الشجاعة للقول: نحن نتحمل مسؤولية إقحام منظمة التحرير في الوضع الداخلي اللبناني. الياس عطالله فعل هذا أيضا. هناك من فكروا أنني يساري لأنني صديق فرنجيه وعطالله لكنني لم أكن كذلك في حياتي».



سعيد الأقرب الى الشهابية لديه صديق آخر يضحكان كثيرا معاً: منصور البون. ويقول: «أفهم عليه ويفهم عليّ. هو لا يقفل بابه في وجه أحد. هو صديق حقيقي». هل يواسيان بعضهما بعد أن أصبحا خارج اللعبة البرلمانية؟ (يضحك): «يقول لي منصور «خربتلي بيتي» ولم يبق لي صديق أتكلم معه ولا قاض أراجعه. وأقول له بدوري: خربتلي بيتي. صداقتنا وطيدة».



يُمسك فارس سعيد القلم ويكتب الى قراء «نداء الوطن»: «الى الشباب اللبناني، أنتم مؤتمنون على تجربة فريدة إسمها العيش المشترك واريد أن أردد لكم عبارة قالها حميد فرنجية في العام 1966 داخل مجلس النواب: «إن الخير الذي يختلف حوله اللبنانيون يصبح شراً وإنّ الشرّ الذي يتوحد حوله اللبنانيون يصبح خيراً».



هذه رسالتي (تصوير رمزي الحاج)