رفيق خوري

الأولوية لمشروع المقاومة لا للرئاسة والدولة

27 نيسان 2024

02 : 00

ليس صدفة أن تصبح رئاسة الجمهورية مشكلة دورية بدل كونها مفتاح الحل. جزء من مشكلة الرئاسة هو اللاحاجة إلى الترشح. وجزء من مشكلة النظام أن الإنتخابات الرئاسية ليست منافسة ديمقراطية بين أحزاب على أشخاص وأفكار وبرامج بل لعبة بين أمراء الطوائف ضمن «لعبة الأمم».


وليت الدستور أو القانون يفرض على الطامح تقديم أوراق ترشحه رسمياً، وأن يكون حائزاً للشروط المطلوبة في المرشح، بصرف النظر عن المواصفات المطلوبة في الرئيس. ففي هذه الحال يبقى السباق على التنافس أو السعي للتوافق مسألة محصورة بمرشحين معروفين، ولا يصبح حفلة صيد بحثاً عن أسماء بعضها منسي. لكن ذلك كله في الشكل. أما في الجوهر، فإن الدستور معلّق. وحين لا تكون الأولوية لبناء مشروع الدولة الوطنية، وفي الطليعة انتخاب رئيس همه البناء، فإن الأولوية تبدو للإجهاز على الباقي من مؤسسات الدولة والتحكم ببقية السلطة. وليس غريباً على من يأخذ البلد إلى حرب بقرار منه ضد رغبة الأكثرية ومن خارج ما يسميه الدستور مركز السلطة والقرار، وهو مجلس الوزراء وبالطبع مجلس النواب، أن يجعل معركة الرئاسة في خدمة الحرب.


المستغرب هو العجز المطلق في الداخل عن المواجهة التي تقود إلى تغيير الوضع المشكو منه، والرهان على تحركات خارجية تبدو مجرد ثرثرة ديبلوماسية لتقطيع الوقت. والمستغرب أكثر هو السجال حول حوار يراد منه فقط تغيير الموضوع. فلا الحوار هو البديل من تطبيق الدستور. ولا الإخلال باللعبة البرلمانية سوى ممارسة لسياسة الغلبة والقوة. ومن حق «الثنائي الشيعي»، مثل سواه، أن يكون له مرشح للرئاسة. وليس عليه أن يتخلى عن مرشحه، وهو يعيد تذكير الداخل والخارج يومياً بأنه مرشحه الوحيد والثابت. ما عليه هو أن يعمل لإنتخاب مرشحه، ولكن ضمن أصول اللعبة وخلال المهلة الدستورية للإنتخاب. أما فرض الشغور، مهما طال الزمن، لضمان أن يتم تأمين نجاح المرشح، فإنه استهتار بالناس والبلد. وأما الإصرار على إفقاد النصاب بعد الدورة الأولى في جلسة الإنتخاب، فإنه تعسف في استخدام اللعبة الديمقراطية البرلمانية، حيث «التعسف في استعمال الحق» مرفوض قانونياً كما يتعلم طلاب الحقوق في السنة الجامعية الأولى.


والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يريد الممانعون إنتخاب رئيس بالفعل؟ وهل هم في حاجة إلى رئيس ما داموا يفعلون ما يريدون، لا فقط في السلطة بل في البلد كأنه مساحة جغرافية أو مجرد ميدان لصراع إقليمي أكبر من لبنان وأخطر عليه من أي بلد في المنطقة؟ أي رئيس جمهورية، مهما يكن موقعه وموقفه، لا بد من أن يعمل بـ»أضعف الإيمان»، وهو استخدام لسانه لإعلان موقف رسمي غيّبته حكومة تصريف الأعمال. وأي رئيس يتصور أن العلاقة مع «حزب الله» تعطيه قدرة على أخذ تنازلات منه، يجب أن يتذكر تجربة الرئيس ميشال عون الذي اصطدم بالإصرار على كل ما له علاقة بالمصلحة الحيوية للثنائي الشيعي وقال «ما خلّونا».

المغني والشاعر الألماني وولف بيرمان يختار من غوته وبريشت ما مختصره: «كل غلطة لها وقتها، هناك أغلاط على مستوى التاريخ، وأغلاط تحت مستوى التاريخ». وهذا ما يحدث في الواقع في لبنان مع الأسف.

MISS 3