المركز اللبناني للدراسات

عقبات تُواجِه تطبيق قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة

02 : 00

*تُمثّل فرص الحصول على التمويل عائقاً رئيسياً آخرَ ولا سيّما مع تعثّر مصرف لبنان والقطاع المصرفي


* عدم تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وعدم تحسين نظام احتساب التعرفة والجباية الحالي وتعزيزه



نشر المركز اللبناني للدراسات تقريراً تحت عنوان «تنظيم الانتقال الطاقي: قانون لبنان الجديد للطاقة المتجدّدة الموزّعة». وعن المسألة المطروحة، قال التقرير: لجأت معظم الأُسر والشركات في لبنان إلى الطاقة المتجدّدة (تحديداً الطاقة الشمسيّة) لتوليد الكهرباء نتيجةً للانهيار شبه الكامل لمؤسسة كهرباء لبنان (EDL) الحكوميّة في السنوات الأخيرة. ففي العام 2022، استورد لبنان 80315 طناً من ألواح الطاقة الشمسيّة، ما يساوي أربعة أضعاف العدد المستورَد في السنوات العشر الماضية مجتمعةً (وذلك بحسب إدارة الجمارك اللبنانيّة). وعلى صعيد الاستثمارات المالية، أنفق القطاع الخاص أكثر من 500 مليون دولار أميركي على تطبيقات الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة في خلال الأزمة (بو خاطر، 2023). ولا يشمل ذلك منشآت الطاقة الشمسيّة المموّلَة عن طريق الجهات المانحة الدولية والمنظّمات التي تقدّم المعونات أو الهبات. وبلغت القدرة الإجماليّة لمنشآت الطاقة الشمسيّة اللامركزيّة 1000 ميغاواط بحلول شهر حزيران/يونيو 2023 (وذلك بحسب المركز اللّبناني لحفظ الطاقة).

ولكن نظراً إلى أنَّ عوامل عدّة تساهم في خفض أداء الألواح الشمسيّة المُثبّتة هذه، نَذكر منها سطوع ضوء الشمس وجودة الخلايا الفلطائية الضوئية والحرارة المرتفعة والموقع الجغرافي والظِلال الموجودة في الموقع، كما وتراكم الغبار والأوساخ على سطح الألواح. كلها إذاً، عوامل تأثر سلباً على القدرة الإنتاجية الفعليّة للألواح الشمسيّة التي تعمل حقيقةً بِسعةٍ أقلّ بمستوى ملحوظ من السعة القصوى (21% من السعة القصوى). لذلك يجب الإلتفات إلى أنّ إجمالي القدرة الإنتاجية لأنظمة الطاقة الشمسية على أرض الواقع هي أقلّ بكثيرٍ ممّا نحتاجه للتعويض عن انخفاض الإنتاج لدى مؤسّسة كهرباء لبنان. وعليه، فإن سدّ هذا العجز يتطلّب تسريع عملية الانتقال الطاقي الذي بدوره يشترط وجود إطارٍ تنظيميٍ محفّز قد كان حتى الأمس القريب غائباً عن سياسات الطاقة في لبنان.





لأجل خلق هذه المحفزات وبالتالي زيادة حصة الطاقة المتجدّدة بنسبة 30% من مجموع مصادر الطاقة الإجمالي بحلول العام 2030، وافق مجلس الوزراء في 23 أيار/مايو من العام 2023 على مشروع قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزّعة، والذي عمل على صياغته المركز اللّبناني لحفظ الطاقة بالتعاون مع وزارة الطاقة والمياه ومؤسّسة كهرباء لبنان. وفي ظلّ فراغٍ رئاسي وما يترتب عنه من قيود دستوريّة على العمليّة التشريعيّة، فقد وجد هذا القانون مكاناً له على جدول أعمال آخر جلسةٍ تشريعيّةٍ لمجلس النواب في 14 كانون الأول/ديسمبر من العام 2023، حيث تمّ إقراره. وتجدر الإشارة إلى حصريّة جدول أعمال هذه الجلسات التي تتناول الشؤون العامّة الأكثر إلحاحاً فقط، ممّا يشير إلى توافقٍ كافٍ بين مختلف الأفرقاء السياسيّين في المجلس على الحاجة الماسّة إلى حلّ أزمة الطاقة المستمرّة في البلاد.



معلومات عن القانون


يسمح هذا القانون الجديد للمستهلكين بتبادل الكهرباء التي ينتجونها من مصادر الطاقة المتجدّدة مع تلك التي تنتجها مؤسّسة كهرباء لبنان، أو تخزينها في الشبكة العامة لدوراتٍ مدّتها 12 شهراً يحصلون في نهايتها على تعويضٍ لنسبةٍ مئويةٍ معيّنة من المتبقّي من فائض انتاجهم الذي غذوا الشبكة به. أمّا بالنسبة للإنتاج والبيع المباشر للطاقة المنتجة من أنظمة الطاقة المتجدّدة، فيُمكن للمُنتجين المرخّصين استخدام الشبكة العامّة لتوزيع طاقتهم المُولَّدة في جميع المناطق داخل الأراضي اللبنانية، وذلك بموجب اتفاقيّةٍ موقّعةٍ مع مؤسّسة كهرباء لبنان ومقابل رسوم عبور، تُحدّد سقفها هيئة تنظيم قطاع الكهرباء (ERA). كما يُمكنهم البيع المباشر من دون المرور بالشبكة العامّة شرط أن يكون عقار المستهلك واقع في نفس عقار منتج الطاقة المتجدّدة أو في عقارٍ ملاصقٍ له مباشرةً. وفي كلتا الحالتَين، يتم بيع الكهرباء وفقاً لاتفاقيّات الشراء الموقّعة مباشرةً بين الطرفيَن. وينصّ القانون على ألاّ تزيد القدرة الإنتاجية لأنظمة الطاقة المتجدّدة للمنتجين عن 10 ميغاواط كحد أقصى.



يمنح القانون رقم 318/2023 صلاحياتٍ وواجباتٍ واسعة لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء التي نصّ القانون رقم 462/2002 على إنشائها من دون أن يتحقّق ذلك بعد. بانتظار تعيين أعضاءٍ لها، تضطلع هيئة تنظيم قطاع الكهرباء بدورٍ محوريٍّ في التنفيذ الفعّال لهذا التشريع، حيث أنها الجهة الرسمية والمؤسسة العمومية المعنية بنفاذ هذا القانون، وبترجمة مواده إلى قرارات إجرائية تضمن حسن تنفيذه.



ويعود لهيئة تنظيم قطاع الكهرباء تحديد معايير الأهليّة لتقديم طلب تركيب العدّاد الصافي، ومواصفات أنظمة الطاقة المتجدّدة الملائمة، وإجراءات ربط هذه الأنظمة على الشبكة وشروطه، والرسوم ذات الصِّلة بالإضافة إلى صلاحيات أخرى. أمّا بالنسبة للبيع المباشر للطاقة من قِبل منتجي الطاقة المتجدّدة في القطاع الخاص، فتضع الهيئة الإجراءات والمبادئ اللازمة لتبادل الطاقة، وتوفّر نماذج اتفاقيّات شراء الطاقة، وتحدّد سقف التعرفة وفق معايير مختلفة بما في ذلك وقت الاستهلاك في خلال اليوم والسنة.


يعرض الجدول التالي نطاق صلاحيّات هيئة تنظيم قطاع الكهرباء ومؤسّسة كهرباء لبنان ويحدّد بعض مسؤوليتهما وفقاً للقانون.








بالإضافة إلى ذلك، على الهيئة أن تُنشئ قاعدة بيانات حول إنتاج الطاقة المتجدّدة، وأن ترفع تقريراً سنويّاً إلى وزارة الطاقة والمياه حول مسار تطبيق القانون (بموجب المادة 6). كما تنّص المادة 8 منه على إنشاء مديريةٍ جديدةٍ للطاقة المتجدّدة في مؤسسة كهرباء لبنان تُعنى بكافة متطلّبات العلاقة بين القطاع الخاص والمؤسّسة في هذا الإطار. تُحدّد الهيكليّة الإداريّة للمديرية ونطاق مهامها بموجب مرسومٍ يصدر عن مجلس الوزراء.

المشهد «السياساتي»

من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية وتأثيرها السلبي على قطاع الطاقة في لبنان حفّزت العمليّة التشريعيّة التي أدّت إلى إقرار هذا القانون. ولكن الأخير ليس بالضرورة مجرد ردة فعل آنية، فهو واحدة من مجموعة أدوات سياساتيّة تهدف إلى تنفيذ سياسة الحكومة الطاقيّة المبيّنة في توقّعات لبنان لعام 2020، المدرجة في ورقة سياسة وزارة الطاقة والمياه للعام 2019، وبيان السياسة العامّة لوزارة الطاقة والمياه الأحدث للعام 2022.

ومن بين الأدوات السياساتيّة المختلفة، يُعتبر القانون رقم 462/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) الأكثر شمولًا، إذ أنشأ هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وأرسى الأساس لخصخصة قطاع الكهرباء وتحريره من خلال إنهاء احتكار مؤسّسة كهرباء لبنان لإنتاج الطاقة وتوزيعها. إلّا أنّ هذا القانون لم يُطبَّق حتى اليوم .

علاوةً على ذلك، طرحت مؤسّسة كهرباء لبنان عمليّة التعداد الصافي في العام 2011 من خلال التعميم رقم 32-318. على الرغم من أنّ هذا القانون يضيف إلى الجسم السياساتيّ المرتبط بالطاقة في لبنان، لا تزال هناك بعض الثغرات في الإطار التنظيمي الذي يحكم قطاع الطاقة المتجدّدة المزدهر في البلاد. ويُعدّ الافتقار إلى نظامٍ ملائمٍ وحديث للتوحيد القياسي والترخيص إحدى الفجوات التنظيميّة الرئيسة التي تُعيق قدرة الحكومة على رصد الجودة والسلامة على طول سلسلة قيمة تكنولوجيات الطاقة المتجدّدة. ويشمل ذلك إدارة نهاية عمر تقنيات الطاقة المتجدّدة، والتي يشكّل التخلّص غير السليم منها خطراً على السلامة العامّة.





التحدّيات


يواجه تطبيق قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزَّعة عقباتٍ عدّة، أبرزها عدم تعيين أعضاء هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، على الرغم من مهامها ووظائفها الأساسيّة المذكورة أعلاه. إضافةً إلى ذلك، ونظراً إلى أنّ مؤسّسة كهرباء لبنان ستقدّم تعويضات ماليّة للمشتركين في نظام التعداد الصافي عن فائض الطاقة التي غذّوا بها الشبكة العامّة، من الضروري تحسين نظام احتساب التعرفة والجباية الحالي وتعزيزه. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ توفّر شبكة عامّة مستقرّة يثق بها المستهلكون لتمدّهم بما يكفي حاجتهم للطاقة سيعتمد على قدرة الشركة على تأمين سعة توليد الحمل الأساسي.

وتمثّل فرص الحصول على التمويل عائقاً رئيسياً آخرَ. فمصرف لبنان المركزي، الذي قدّم في العام 2010 قروضاً مدعومة بهدف تحفيز نموّ هذا القطاع، غير قادر حالياً على القيام بذلك بسبب الأزمة الاقتصاديّة. علاوةً على ذلك، يُعيق انهيار القطاع المصرفي فُرصَ الحصول على التمويل من المؤسّسات الماليّة الدوليّة.

ويشكّل ذلك تحدياً كبيراً أمام نموّ القطاع، ويتمّ حالياً التخفيف من وطأته من خلال فرص التمويل والدعم التي تقدمها الجهات المانحة الدوليّة. على سبيل المثال، أنشأت الوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة (USAID) في آذار/مارس 2023 صندوقاً للطاقة الشمسيّة والمتجدّدة بقيمة 20 مليون دولار أميركي، وذلك من خلال نشاط تسهيل التبادل التجاري والاستثماري في لبنان. كما يقدّم الاتّحاد الأوروبي الدعم للقطاع الخاصّ من خلال برنامج ريادة الأعمال على مستوى البلاد لفرص الطاقة المتجدّدة الموزّعة (سيدرو 5) (الذي نفذّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، ومفكّرة خضراء جديدة ستخصّص 22 مليون يورو للقطاع العام لكلٍّ من كفاءة الطاقة وتدابير الطاقة المتجدّدة الموزَّعة.

ما أهميّة ذلك؟

يمثلّ قانون إنتاج الطاقة المتجدّدة الموزَّعة خطوةً نحو إنعاش قطاع الطاقة المتعثّر في لبنان. فبغياب التنظيم لسوق الطاقة المتجدّدة، ستكون سلامة المستخدمين بخطر، كما سيؤدّي إلى خسائرَ مادية كبيرة إن بسبب الأضرار أو بسبب انعدام الكفاءة، الإنتاج والاستهلاك. علاوةً على ذلك، يُعدّ إصلاح قطاع الطاقة أحد المطالب الرئيسة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والوكالات المانحة. ويشكّل هذا القانون جزءاً من الركيزة الرابعة لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار الذي وضعه لبنان تحت عنوان «تحسين الخدمات والبنية التحتية». وتُشير التقديرات إلى أنّ الحكومة اقترضت منذ 1992 حوالى 45 مليار دولار أميركي (أيّ 45% من الدين العام) لتوفير الكهرباء، ما يجعل إصلاح قطاع الكهرباء قضيّةً ملحّة للغاية.


MISS 3