سينا أزودي

لا حلّ عسكرياً لأزمة إيران النووية

30 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

يافطة لصواريخ باليستية إيرانية مع شعار باللغة العربية «الوعد الصادق» واللغة الفارسية «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، في ساحة ولي عصر في طهران | 15 نيسان ٢٠٢٤

قبل أن تقصف إسرائيل مقر القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان، كانت الأحاديث عن قدرة طهران على تطوير سلاح نووي وأهمية هذه الخطوة قد بلغت مستويات غير مسبوقة في إيران. في كانون الثاني 2024، سُئِل رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي على الهواء مباشرةً: هل حان الوقت كي تحصل إيران على سلاح نووي أو تجري اختباراً نووياً على الأقل؟ عارض إسلامي فكرة اقتناء أسلحة نووية، مشيراً إلى عقيدة الدفاع الإيرانية، لكنّ طرح هذا السؤال على التلفزيون الحكومي الإيراني يثبت توسّع الجدل الداخلي حول منافع الأسلحة النووية.



طوال أشهر، انتشرت توقعات حول مسار البرنامج النووي الإيراني، تزامناً مع استمرار الحرب في غزة واستعداد إيران لتحويل عتبتها النووية إلى ترسانة من الأسلحة النووية أخيراً. ثم جاء قصف مقر القنصلية الذي أسفر عن مقتل عدد من قادة «الحرس الثوري» الإيراني في الفترة الأخيرة ليؤجج حرب الظل القائمة بين إيران وإسرائيل ويوصلها إلى مرحلة جديدة وخطرة. لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن ذلك الهجوم في أي لحظة، لكنها لم تنكر ما حصل أيضاً. اتّهمت إيران إسرائيل باستهداف ذلك المقر الديبلوماسي، ثم ردّت على الاعتداء بعد فترة من التأجيل عبر إطلاق أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصواريخ باليستية وجوالة في اتجاه إسرائيل: إنه أول هجوم تشنّه دولة خارجية ضد إسرائيل منذ أن أطلق الرئيس العراقي السابق صدام حسين صواريخ باليستية خلال حرب الخليج في العام 1991، لكنه ثاني هجوم تطلقه إيران ضد دولة مسلّحة نووياً خلال أقل من خمسة أشهر. (استهدف الهجوم الأول باكستان).

في الوقت الراهن، أصبحت إيران الدولة غير النووية الوحيدة التي تخصّب اليورانيوم بمستويات قريبة من مرحلة تصنيع الأسلحة. يفترض بعض الخبراء أن الحرب في غزة تزيد احتمال أن تتسلح إيران نووياً، لكن يذكر أحدث تقييم أصدره مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية عن التهديدات المطروحة أن إيران لم تتخذ أي خطوات حقيقية لتسليح نفسها. حتى الآن، لم تجد إيران أي منافع من استعمال برنامجها النووي كسلاح بحد ذاته. لكن في ظل تصاعد الاضطرابات، قد تعتبر إيران السلاح النووي وسيلة لكبح تفوّق إسرائيل التقليدي وأسلحتها النووية.

تطورت قدرات إيران التقنية بدرجة ملحوظة منذ انسحاب الولايات المتحدة من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في العام 2018. في شباط 2024، بعد فترة قصيرة من صدور تعليقات إسلامي، ذكر علي صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية وواحد من أقوى داعمي برنامج إيران النووي، أن إيران تجاوزت كلّ عتبات التكنولوجيا النووية. قال صالحي، العالِم النووي وخرّيج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على التلفزيون الحكومي الإيراني: «تخيّلوا ما تحتاج إليه السيارة. هي تحتاج إلى هيكل قاعدي، ومحرك، ومقود، وناقل حركة. نعم، لقد صنعنا ناقل الحركة والمحرك، لكن لكل واحد منهما هدفه الخاص».

بما أن إيران تملك اليوم القدرة التقنية لتطوير قنبلة نووية، يتخذ السؤال المرتبط بمستوى قدراتها طابعاً سياسياً. منذ التسعينات، حين بدأ الشاه يفكّر بتطبيقات عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، تأثرت نظرة النخبة السياسية إلى التهديدات المطروحة بوضع البلد النووي. ثم أعادت الجمهورية الإسلامية إطلاق البرنامج النووي خلال الثمانينات بسبب الحرب بين إيران والعراق، وإقدام العراق على استعمال أسلحة كيماوية، وبرنامج العراق النووي الناشئ الذي كان يطرح تهديداً وجودياً على أمن إيران رغم انتهاء الحرب في العام 1988. تابعت طهران تطوير برنامجها النووي السرّي إلى أن دفع الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 بالقيادة الإيرانية إلى وقف جهود التسلّح المزعومة في إيران. كان ذلك القرار ينجم عن اعتراف القيادة الإيرانية بأن نشاطات الانتشار النووي تجازف بوضع إيران على لائحة البلدان التي تستهدفها واشنطن. بعبارة أخرى، أصبحت الاعتبارات الأمنية التي شجّعت الإيرانيين على إعادة إحياء البرنامج النووي السبب وراء وقف هذه الجهود.

يكشف هذا التاريخ المشحون بالتهديدات الأمنية التي تُوجّه السياسة النووية أن تصاعد التوتر مع إسرائيل قد يُشجّع النخبة السياسية على التخلي عن موقفها الأولي ويدفعها إلى تجاوز العتبة النووية أخيراً. حتى أن الخبير الاقتصادي والصحافي الإيراني المقرّب من أوساط الإصلاحيين سعيد ليلاز، ذكر حديثاً أن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق «نَسَف آخر عذر يمنع إيران من اختبار جهاز نووي ودخول المنتدى النووي». من وجهة نظر طهران، قد تكبح أي ترسانة نووية تفوّق إسرائيل التقليدي الذي اتّضح حديثاً عبر قدرتها على اعتراض وإسقاط معظم الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية والدفاع عن نفسها بمساعدة حلفائها. لكن لا تقف مخاطر التصعيد الإقليمي عند هذا الحد.

فيما كانت إسرائيل تُفكّر بالخيارات المتاحة أمامها للرد على الاعتداءات الإيرانية، دعا عدد من المسؤولين السابقين في إدارة دونالد ترامب، أبرزهم جون بولتون، إلى شن هجوم إسرائيلي ضد منشآت إيران النووية. يبدو هذا السيناريو بالغ الخطورة. أولاً، قد يترافق أي هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية مع تداعيات بيئية كبرى في المنطقة. لهذا السبب، عبّر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، عن قلقه الشديد من احتمال أن يستهدف أي هجوم إسرائيلي منشآت إيران النووية.

ثانياً، قد يُسبب أي اعتداء ضد المنشآت الإيرانية انتكاسة في البرنامج النووي على المدى القصير، لكن أثبت الإيرانيون في الماضي أنهم قادرون على إعادة بناء ذلك البرنامج وتوسيع نطاقه في أسرع وقت. عندما خرّبت إسرائيل منشأة «نطنز» في نيسان 2021، سارع الإيرانيون إلى الردّ عبر تخصيب حتى 60 في المئة من اليورانيوم خلال أيام قليلة. نتيجةً لذلك، قد يتشجّع الإيرانيون على الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ويسارعون إلى تطوير القنبلة في حال تعرّضت منشآتهم النووية للهجوم. في هذا السياق، يظن حسين موسويان، مفاوض نووي سابق وخبير في السياسات النووية في جامعة «برينستون»، أن الضربة العسكرية المحتملة هي «العامل الوحيد القادر على توجيه برنامج إيران النووي نحو التسلّح». كذلك، أطلق العميد أحمد حق طلب، قائد وحدة الدفاع عن مواقع إيران النووية في «الحرس الثوري» الإيراني، تحذيراً صريحاً من احتمال أن «تُراجع إيران عقيدتها النووية وتتجاوز اعتباراتها المُعلنة سابقاً إذا قررت إسرائيل الضغط على طهران عبر التهديد بشنّ اعتداء ضد مواقعها النووية».

نجحت الضربات الإسرائيلية ضد الخطط النووية في العراق وسوريا، في العامين 1981 و2007 توالياً، بسبب طبيعتها المركزية. كذلك، كان هذان البرنامجان في أولى مراحلهما نسبياً. أما البرنامج النووي الإيراني، فهو أكثر تقدّماً بكثير وينتشر في أنحاء البلاد. يقول عالِم نووي إيراني مُطَلع على مسار البرنامج النووي المحلي إن الإيرانيين قاموا بنشر منشآتهم النووية وإنشاء مواقع متعدّدة عمداً كي تتابع المنشآت الأخرى عملها في حال وقوع أي هجوم.

تستطيع إسرائيل أن تدمّر تلك المنشآت طبعاً، لكنها تعجز عن نسف المعارف المؤسسية التي اكتسبها الإيرانيون على مر العقود الماضية. لا يمكن تدمير المعارف العلمية بهذه البساطة. تستطيع إيران، عند الحاجة، أن تعيد إحياء برنامجها في أي وقت تريده. وبما أنها تتكل على قدراتها التكنولوجية لتخصيب اليورانيوم، لا مفر من أن تبقى دولة على عتبة التسلّح النووي. بعبارة أخرى، ما من حل عسكري لأزمة إيران النووية.

يعني الاعتداء على مقر القنصلية الإيرانية بدء حقبة خطرة من الأعمال العدائية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وبالتالي خرق التفاهم الضمني بين البلدَين لإبقاء صراعهما في الظل. تقترب إيران على ما يبدو من تصنيع سلاح نووي. لا يزال قرار استعمال البرنامج النووي كسلاح بحد ذاته على صلة وثيقة بنظرة القادة السياسيين إلى التهديدات الإقليمية، ومن الواضح أن منافع التسامح النووي تتفوّق على تكاليفها المحتملة، حتى الآن على الأقل.

MISS 3