محمد علي مقلد

سليمان فرنجية وعماد الحوت

سليمان فرنجية وعماد الحوت. الأول من الممانعة والثاني ضدها. متعارضان حول الموقف من الدور السوري. متفقان على مديح الدولة والدستور ومتفقان أيضاً على انتهاك سيادتها ودستورها.

من المؤكد أنّ عماد الحوت أفضل من مثّل حزب «الجماعة الإسلامية» في الندوة النيابية. قدوة في الاعتدال والهدوء واحترام الآخر والرأي المختلف. ربما تمايزت مواقف حزبه عن أحزاب الإسلام السياسي في لبنان والعالم العربي ولا سيما في الموقف من الدولة. فحزبه لم يكن جزءاً من الحركة الوطنية اللبنانية لكنه لم يكن خصماً لها على امتداد الحرب الأهلية. تعاون مع المقاومين العلمانيين في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأشهد أنّ صباياه أنقذن مقاوماً شيوعياً من الاعتقال عندما ألبسنه ثوب إحداهن وأخرجنه من حصار محكم أقامته القوات الإسرائيلية لأحد أحياء صيدا.

قد يكون سليمان فرنجية السياسي الوحيد الذي يتحدث في الشأن السياسي على سجيته، ولا يتوسل فنّ المناورة. يقول ما له وما عليه وبأسلوب مباشر، من غير ما حاجة إلى تغليف أقواله بالتوريات والكنايات وأنواع المجاز، وهذه من مزاياه. هو أول من اتهم قائد الحرس الجمهوري، يوم كان وزيراً للداخلية، بالضلوع باغتيال رفيق الحريري، من غير أن يقصد ذلك، محملاً إياه مسؤولية التلاعب بمعالم الجريمة. وهو الذي وضع أمام جهاز الاستخبارات السورية النتائج التي يمكن أن تترتب على اعتماد أحد قانوني الانتخاب، قانون الستين أو قانون الطائف، وهو الذي يبوح بأسراره وأسرار حلفائه من غير أن يكون عميلاً لخصومه.

ربما لم يقرآ كلمة ماركيز الشهيرة: الوطن هو أجمل الابتكارات! إذ كيف يمكن أن ينحاز نائب عن الأمة ضد الأمة، وأن يتضامن ضد الوطن مع آخرين من خارج الوطن؟ هذا من باب الخيانات ومثير لعجب الشاعر: إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟ أيخون إنسان بلاده؟

غير أن ارتكاب هذه الفعلة في بلادنا ليس من باب الخيانة بل من باب الجهل بمعنى الانتماء إلى وطن ومن باب الفهم المغلوط لسيادة الدولة. كلاهما مع السلاح خارج إمرة الدولة لقتال العدو الإسرائيلي، هذا نصرة لجبهة الممانعة وذاك نصرة للقضية الفلسطينية. انتهاك سيادة القانون داخل حدود الوطن باستخدام السلاح في الحرب الأهلية لا يختلف عن انتهاكها على حدوده أو خارج حدوده. ما يختلف بينهما هو القضية وأساليب التعبير عن التضامن.

تضامن الرجال والنساء في شوارع بيروت وقدمت النساء مصاغها من أجل استقلال الجزائر، وناضلوا من أجل الخبز والعلم والحرية، بالتظاهر في الشوارع وبالهتاف وعبر الصحافة وكل وسائل الإعلام. لا أشكال التضامن ولا أشكال النضال هذه عرقلت مسار التطور والتقدم الذي شهده لبنان، لكن جرعة زائدة من العروبة وجرعة زائدة من معاداتها هددتا الوحدة الوطنية. عندما تضاعفت الجرعات بالسلاح الميليشيوي المنظم انفجرت الحرب الأهلية. ويخشى اليوم من أن يشكل فائض السلاح في الجنوب أو في عكار أو في سائر المناطق اللبنانية خطراً على مصير الوطن والدولة.

إصرار فرنجية على الترشح لرئاسة الجمهورية باسم الممانعة أو تباهياً بعلاقته الودودة معها أو استقواء بها ضد إرادة فريق كبير من الشعب اللبناني، لا يقل خطورة عن استخدام الجماعة الإسلامية السلاح تضامناً مع القضية الفلسطينية حتى لو كان متمايزاً عن سلاح «حزب الله» وغير ملتزم بإمرته. فالتضامن مع جهات وقضايا خارج الحدود على حساب الوحدة الوطنية للشعب اللبناني هو انتهاك لسيادة الدولة.

لبنان أولاً. هذه نقطة البداية. انطلاقاً منها يبدأ التضامن مع أي قضية في العالم. وبدونها كل تضامن باطل حتى مع أقدس القضايا.