المحامي جهاد عيد الحدشيتي

الجريمة دائماً في سباق مع القانون

وكأنّ نصيب لبنان أن يعيش مجتمعه ضحية هذا الكمّ من الجرائم، فلا تمرّ فترة إلا وتشهد على جريمة معاصرة: إغتيالات، تفجير المرفأ، سرقة أموال المودعين... واليوم جريمة "التيكتوكرز".

تمكنت الضابطة العدلية في لبنان بإشراف النيابة العامة الإستئنافية من كشف سلسة جرائم منظّمة في إطار مشروع جرمي، مرتكبة من قبل شبكة أشخاص.



قد لا يكون التوصيف الجرمي جديد على عالم العقوبات، إنّما الوسائل المسخّرة لإنفاذ هذه الجرائم، تنذر بخطر يلامس خصوصيّة المجتمع وضوابط مواقع التّواصل الإجتماعي الأخلاقية.




المحامي جهاد عيد الحدشيتي




استخدم مرتكبو هذه الأفعال الجرميّة لإتمامها وللتّمهيد لها شبكات التواصل الإجتماعي وبشكل خاص حساباتهم الشخصية على تطبيق TikTok، فظهرت هذه الحسابات كوسيلة موثوقة لجذب الزبائن.



تغلغل المرتكبون في المجتمع وفي العالم الإفتراضي مستغلّين ثقة العامّة بهم لا سيما ثقة الأجيال الفتية رواد تطبيق TikTok باعتبار أنّهم وجوه معروفة وقد ساهم بعض الإعلام المرئي والمسموع على تعزيز مكانة هؤلاء وتبيانهم للرأي العام كصنّاع محتوى ولو بسخيف.



فكان الظاهر أعمال دعاية وتسويق ومصالح تجارية وحملات تمويل أمّا الباطن جرائم وتجاوزات للقانون وانتهاك للأخلاق والقيم الإنسانية.



حتى أصبح التردّد إلى محلاّت هؤلاء من معالم الثراء ومن مظاهر التحضّر!!



وككلّ حدث يهزّ المجتمع، يأتي هذا الحدث أيضاً ليرتّب المسؤولية حول دور الأهل والمعنيين والمؤثّرين في السماح لهذا الإضمحلال الفكريّ أن ينتشر ويصبح مألوفاً أمام الرأي العام بشيبه وشبابه وقصّاره بدون مواجهته ونبذه.



أمّا وقد وقعت الواقعة، فتصدّت لها المكاتب الفنية الأمنية والجهات القضائية المختصة، إلا أن الإجراءات الواجب اتخاذها بوجه هذه الجرائم مفترض أن تكون وليدة معرفة دقيقة لكيفية ارتكاب هذه الجرائم وتسلسلها من خلال المنصات المستخدمة على Tik Tok.


فالنّصوص الجزائية الموجودة ليست عاجزة عن توصيف هذه الأفعال وترتيب العقوبات المناسبة، بدءاً بقانون العقوبات مروراً بقانون المعاملات الإلكترونية الصادر في العام 2018 وصولاً إلى قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم /44/تاريخ 24/11/2015 وغيرها من النّصوص المرتّبة للجزاء، فحظر استخدام تطبيق في العالم الإفتراضي لا يلغ الجريمة، إلا أنّ القضاء أمام امتحان جديد في التطبيق الملائم لهذه القوانين في ظلّ ما يشاع عن تدخلات ومحسوبيات.



فمرتكبو هذه الأفعال الجرمية ومشغلو هذه الحسابات لطالما تفاخروا بالمردود المادي جراء إطلالاتهم المباشرة على TikTok، وعليه، مصدر هذه الأموال ومصيرها مفترض أن يكون محط عمل القضاء.

وكي ننجز العبرة لكلّ من تسول نفسه التعدّي على الكرامة الشخصية والذات البشرية، لا بدّ من أن تكون التدابير المتخذة بالأشخاص والأموال مناسبة لقذارة الأفعال المرتكبة ضمن حدود القانون وسلطة القاضي الجزائي.



وبالتوازي مع القرارات القضائية المتخذة لمواجهة هذه الجرائم لاسيما تلك المتعلقة بإقفال العديد من الحسابات على تطبيقي Tiktok وانستغرام، فإنّ هذه الجرائم تطال مجتمعاً وليس أفراداً، وعليه التدابير يجب أن تراعي حقّ المجتمع العام الذي تأثّر بجيله، مشيرين إلى عقوبة المصادرة المنصوص عنها في المادة /42/ من قانون العقوبات اللبناني وحقّ الدولة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة المتعلّقة بجرائم تبييض الأموال المذكور في المادة /14/ من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رقم /44/تاريخ 24/11/2015، على اعتبار أن هذه الحسابات تشكل خزنات للأموال المحولة والمحصلة والواجب سحبها لحساب الدولة قبل حذف الحسابات الموجودة فيها.



أما عن الأشخاص الذين وقعوا في شباك هؤلاء المجرمين، فأقلّ الإيمان في مسار إنصافهم أن ينتصر القانون على الجريمة لينتصر معه لبنان ولو لمرة واحدة.