رفيق خوري

من "الردع المتبادل" إلى "الدمار المتبادل"

لا شيء يقطع الشك باليقين حول ما تهدد به إسرائيل من «صيف حار» في لبنان. هل هو خيار أو حتى إضطرار أم أنه مجرد تهويل لتجنب الوصول إليه؟ لا فرق، لأن صيف لبنان جرى ضربه سلفاً، ولو بقيت حرب الجنوب في حدود «المشاغلة» أو حدث في وقت ما وقف نار في حرب غزة. ولا يبدل في الأمر ما يقول «حزب الله» أنه يستعد له بأسلحة فتاكة ومفاجآت في القتال أكبر مما يتصوره العدو. فماذا يفيد لبنان المعرّض للدمار فوق كل أزماته إذا أوقعت المقاومة الإسلامية دماراً كبيراً بإسرائيل؟ ومن يعيد إعمار لبنان المفلس الذي تديره مافيا وتكاد تقتصر المساعدات الدولية له على الحد الأدنى من حاجات النازحين السوريين، في حين تتدفق المليارات الأميركية وسواها على إسرائيل؟

الواقع حتى الآن كثير الدلالات. فمنذ توقفت حرب 2006 بقرار مجلس الأمن 1701، ونحن نسمع خطاب التطمين والإقتدار وفرض معادلة «الردع المتبادل» أو توازن الردع والرعب. ومنذ فتح الجبهة الجنوبية لإسناد حركة «حماس» في حرب غزة بحرب عنوانها «مشاغلة» العدو، ونحن نرى تهاوي معادلة الردع وبروز معادلة جديدة هي «التدمير المتبادل» أو توازن التدمير وأحياناً من دون توازن فيه، حتى مع التركيز على ما يفعله «محور المقاومة» بقيادة إيران ضمن «وحدة الساحات» من خارج الشرعيات في البلدان التي صارت مجرد ساحات.

وما أكثر الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة جدية شافية. لا من السلطات المغلوبة على أمرها بل من صاحب القرار في الحرب أو أقله من الوكلاء. لكن طهران تدعي أن «الساحات» المرتبطة بها تمويلاً وتسليحاً وخياراً إستراتيجياً في الصراع الجيوسياسي على المنطقة تتخذ قراراتها بإستقلالية. و»حزب الله» يوحي أن ما يشغله هو الإهتمامات والحسابات الإستراتيجية، مهما تكن هموم الناس اليومية. فلا هو يقدم أجوبة تطلبها الأكثرية الرافضة للحرب، ولا هو ينشغل أحياناً إلا بتقديم أجوبة عامة وإنتصارية للبيئة الحاضنة له والمتضررة أكثر من سواها من الدمار اللاحق بالجنوب في الضحايا والعمران والزراعة والسياحة وأمور أخرى.

ذلك أن السؤال الكبير الذي لا يزال بلا جواب هو: ما الهدف السياسي المطلوب تحقيقه من خلال الحرب التي هي «إستمرار للسياسة بوسائل أخرى» حسب كلاوزفيتز؟ أي تغيير إستراتيجي يراد له أن يتبلور عندما تتوقف الحرب؟ وهل اللعبة المعقدة هي بهذه البساطة؟ ليس جواباً ما يبدو كأنه لجوء إلى نوع من الغموض الإستراتيجي الذي يراد له أن يكون في منزلة الوضوح، أو من الوضوح الذي يراد تظليله بكثير من الغموض. ولا شيء يزيد من مخاطر الحرب أكثر من الخطأ في تصور مرحلة ما بعدها، سواء تصور العودة إلى ما كان قبلها، أو تصور الذهاب إلى وضع مختلف كلياً.

زعيم الصين التي صارت قوة عظمى شي جينبينغ يقول: «نحن في عصر اللايقين». لكن في لبنان والمنطقة من يتصورون أنهم يمسكون بخيوط اللعبة في الحروب والتغيير بعدها كما في التسويات واللاتغيير.