رمال جوني -

"كورونا" يتمدّد وبلدة أنصار مُغلقة

18 آب 2020

02 : 00

فيما كانت النبطية تودّع الشهيد حسين عبد الرحيم بشر، في بلدته كفرتبنيت، كانت "كورونا" تتغلغل في قراها، فارضة سيناريو الإقفال على بعضها وإعلان حالة الطوارئ في بعضها الآخر، فيما تحاول باقي القرى لملمة آثار وتداعيات الأعداد الكبيرة عبر بيانات تحضّ الناس على الإلتزام بالتباعد الإجتماعي الغائب جملة وتفصيلاً عن حياتهم اليومية، ما يضع القرى في مهبّ "كورونا" وآثارها الوخيمة على صحّتهم.

مع تزايد أعداد المصابين، بدا جلياً حجم لاوعي المواطن، يُفضّل الموت بالوباء على الموت جوعاً، كل نداءات خلايا الأزمة لم تجدِ نفعاً، لعلّ ما قاله مسؤول خلية الأزمة في النبطية أصدق مثال على تهاون الناس في التعامل مع الفيروس، إذ ناشدهم "بحرقة المسؤول عن نفسي وعن مجتمعي ان نلتزم بالوقاية والحذر غير المكلف ان التزمنا، والمكلف باهظاً ان لم نلتزم حيث لا ينفع الندم".

حتى الساعة، لم تتّضح خريطة تفشّي الوباء في النبطية، الأعداد تصاعدية، سجل في يوم واحد 26 حالة، في عدشيت وحدها 12حالة، بينما كان نصيب النميرية 8 حالات، ناهيك عن الثلاث حالات من العمال البنغلادشيين في بلدة تول والذين يسكنون مع ثلاثين آخرين. كل ذلك يدلّ الى أنّ المنحى الوبائي آخذ في طريق التفشّي السريع، ومع ذلك ما زالت الأفراح في دياركم عامرة، والتجمّعات الكبيرة أيضاً ضاربين بعرض الحائط كل الوقاية المطلوبة على قاعدة "بالعرس ما في كورونا".

ليست الأعراس وحدها من تنتهك حظر "كورونا"، أيضاً التجمّعات الشبابية على الأرصفة حيث تصاحبهم النرجيلة وكوب قهوة، من دون إتخاذ أدنى معايير السلامة الوقائية. وحده مدير مستشفى النبطية الحكومي الدكتور حسن وزنة دقّ ناقوس الخطر مُعلناً أننا "متجهون نحو المجهول في ما لو بقي الناس في حالة استلشاقهم، خصوصاً وأننا مقبلون على مرحلة دقيقة قد نصل الى عدم القدرة على تأمين سرير لأي مصاب".

وأعلنت بلدية أنصار إقفال البلدة لمدة خمسة أيام، وربما تحذو حذوها بلدة عدشيت التي سجلت 15 إصابة بين صفوف أهلها، والعدد الى تزايد، فيما تشهد الطرقات حركة شبه عادية، وغياباً تاماً للإلتزام بالكمّامة، ما يشي بأن الخطر داهم القرى، وبعدها لا داعي للندم. منذ بداية اقتحام الفيروس للبنان، سجل غياب تام لأجهزة الدفاع، إذ بدت حالة التفكّك في صفوف الناس، ممّن رأوا العدوّ الجديد ضعيفاً وغير فتّاك. بحسب أحمد، أحد عناصر خلية الأزمة في منطقة النبطية فإن "المواطن تجرّد من الوعي، ويتعامل مع الوباء وكأنّه غير موجود ما يشي بالخطر الأكبر الذي يهدّد كل القرى، حيث بدأت معظم البلديات تدقّ ناقوس الخطر، وتحذّر الأهالي من التراخي، لأنّ هذا القائد سيفتك بالبلدة".

بالرغم من كلّ التحذيرات وأعداد الإصابات الكبيرة، ما زالت الحياة تسير على طبيعتها، معظم الأهالي لا يرتدون الكمّامة، وإن فعلوا تُحمل في اليد، وحين سؤال أحدهم عنها يأتيك الجواب "معي كمّامة بس بالسيارة، هلق شلحتها لأنها خنقتني"، وتناسوا خنق "كورونا" لأجهزتهم التنفسية، وتناسوا أيضاً أن لا مستشفيات جاهزة لاستقبال كل الحالات، إذ ارتفع العدد بشكل كبير.

لا يُخفي وزنة أننا "قد نصل الى مرحلة نعجز عن استقبال المرضى، حتى أنّ أجهزة التنفّس قد لا تكفي، وقد نصل الى أن يموت المريض عند أبواب المستشفى". يخشى وزنة هذا السيناريو ولكنّه لا يستبعده، سيما وأننا دخلنا في مرحلة فقدان السيطرة.

ماذا لو خرج الأمر عن السيطرة؟ سؤال لا جواب عليه عند الناس التي أرهقها الغلاء. ينصبّ اهتمام أبو علي على تأمين لقمة عيشه أكثر من اهتمامه بـ"كورونا"، يُدرك أنّ ما يجنيه بات قليلاً، ولا يكفيه لشراء غالون زيت وسكر ورز في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني وغير المبرّر بالرغم من انخفاض سعر الدولار، ويؤكد أنه يفضل الموت بالفيروس على ان يموت جوعاً.

إزاء هذا المشهد القاتم، هل نتّجه نحو إقفال البلد لتطويق "كورونا"؟ أم سندخل في نفق مظلم لا يقل خطورة عن انفجار المرفأ؟