بشارة شربل

إنه جواب فريد

18 آب 2020

02 : 00

لا نعرف ماذا استنتج المشاهد غير اللبناني من مقابلة الرئيس عون المتعثرة مع التلفزيون الفرنسي. نحن حفظناه عن ظهر قلب. لم يفاجئنا في رد فعله على حدث 4 آب. نعرف انه لن يتخلى طوعاً عن الكرسي قبل أن ينطق بكلمة "مستحيل". لكن اللافت في اللقاء الهجين جوابه عن سؤال الاتفاق الاماراتي - الاسرائيلي بالقول "الامارات دولة مستقلة"، معترفاً بحقها في اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الوطن الاماراتي.

وإذ لا شكَّ في استقلال دولة الامارات، فإن توكيد الرئيس يعني النأي بالنفس عن موضوع أساسي وإشكالي خطير. وهو يلتقي الى حد كبير باستفسار بثينة شعبان "البريء": وما الفائدة من صلح اي دولة عربية مع اسرائيل؟. فسُبحانَ الذي جعل "قلب العروبة النابض" في موقع السياح المدهوشين، وحوَّل ظَهير المقاومة ومحور الممانعة مراقباً أجنبياً يلتزم مواثيق جنيف بلا تحريف!

لا مبرر لربط موقف رئيس الجمهورية بإعلان الوزير باسيل قبل فترة انتفاء اي خلاف ايديولوجي مع الدولة العبرية. والأجدى القول بأن وضع الرئيس الصعب جراء تحميله مسؤولية سياسية وأخلاقية في تفجير المرفأ، والعزلة التي لم تكسرها زيارات شكلية للأجانب الزائرين، دفعاه الى ترتيب أولوياته والامتناع عن التنديد بدولة تقدم مساعدات سخية للبنانيين، تاركاً هذه المهمة لجمهور الممانعة الحائر بين تأييد الدعم القطري لـ"حماس" مع ما للدوحة من علاقات تاريخية مع الكيان الصهيوني، وبين خفض "البعث" جناح الذل عبر ممارسة "التقية" ومتابعة نسج خيوط مع أبو ظبي، في مواجهة التحالف القطري - التركي على الملعب السوري.

لا شماتة بارتباك كل المحور الممانع و"القومجي" ازاء خطوة الامارات التي تنذر بتحول دراماتيكي في مسار "القضية الفلسطينية". لكن السؤال واجبٌ عمَّن أوصلها الى هذا الوضع وجعل السلام مع اسرائيل سابقاً لحلّ شامل يعود فيه كامل الحق الفلسطيني.

لا تعقيد في الاجابة. لقد تغير موقع "القضية" في وجدان عرب كثيرين وفي حسابات دول عربية تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار. ولعل العودة ثلاثة عقود فقط الى الوراء توضح كم ان انحياز منظمة التحرير الى جانب الاجتياح الصدَّامي لدولة الكويت في 1990، تسبب بإيذاء القضية لدى مختلف دول الخليج بالتزامن مع ادراك الشعوب ان الأنظمة الاستبدادية استخدمت فلسطين شماعة للقمع والتدمير.

أما الضربة الكبرى لقضية فلسطين فأتت على يد ايران التي جهدت للاستيلاء على مشروعيتها بالتوازي مع التلاعب الخطِر بالنسيج المذهبي في العالم العربي وفي الخليج بالتحديد. وعلى مرّ عقود من التجربة المرة مع ايران وأذرعها التي وصلت حد قصف مكة المكرمة بالصواريخ، صارت "الجمهورية الاسلامية" عنوان الخطر الاستراتيجي. فلا عجَبَ ان تسعى دولة الامارات الى تأمين مصالحها الاقليمية والدولية عبر علاقات ومعاهدات وتحالفات.

كان أفضل بالتأكيد لو توصل العرب الى سلام مع اسرائيل استناداً الى "مبادرة السلام العربية" التي اطلقتها المملكة السعودية من قمة بيروت في العام 2000، لكن مسار ثلاثة عقود من تهديد دول الخليج أدخل عملية السلام في منطق جديد.

إنه منطق المصالح الوطنية والقرارات السيادية، وهو ما أقرَّ به رئيس الجمهورية للآخرين بقوله ان "الامارات دولة مستقلة"، فمتى يسري المنطق نفسه على اللبنانيين؟


MISS 3