جورج العاقوري

بعض المستقيلين والـ calculatrice والمعلّمة

19 آب 2020

02 : 00

تحريك الرأي العام أو حرفه ليس فقط فنّاً وكاريزما، بل عِلم وصناعة وإحتراف، وهو شهد في السنوات الأخيرة نقلة تاريخية، مع بروز وسائل التواصل الإجتماعي التي سرّعت حركة الإنتشار ووسّعت مروحة المؤثّرين influencers وحطّمت التابوهات.

في هذا الإطار، يُسجّل للبعض نجاحه في ترويج شِعار "كلّن يعني كلّن" في بعض أوساط الحراك الشعبي، الذي انطلق في 17 تشرين لغاية في نفس يعقوب. أسوأ ما في الشعار أنّه لا يختلف كثيراً عن منطق الأنظمة الشمولية. التعميم قد يساهم بالتعتيم حين نضع الجميع في سلّة واحدة، فنُعتّم على الفاسد والمُرتكب.

"كلّن يعني كلّن" شبيه بمعلّمة لم تستطع أن تكتشف التلميذ المُشاغب في الصفّ، أو لم تتجرّأ على طرده لأنّه إبن فلان أو قريب علتان، فعمدت الى معاقبة الجميع.

والى جانب هذا الشعار، شهد المشهد السياسي عقب انفجار بيروت المزلزل في 4 آب 2020 موجة إستقالات في مجلس النواب. بالطبع لا يمكن وضعها في نفس الخانة وإلّا نقع في التعميم. هذه الخطوة ترافقت مع حركة لـ"القوات اللبنانية" للدفع باتجاه إستقالة وازنة، لذا، سعت الى التواصل مع "المستقبل" و"الإشتراكي" لِما يُمثّلان من حجم نيابي وبُعد ميثاقي، وحضّهما على استقالة منسّقة من البرلمان.

ولكن سرعان ما تفرمل هذا المسار جرّاء مسارعة حكومة حسّان دياب الى الإستقالة، أو بناء على مُعطيات خارجية، ترافقت مع سلسلة اتّصالات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع قادة من الصفّ الأول في لبنان. فأعلن رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع أنّ استقالة نواب حزبه وحيدين بعد تراجع "الإشتراكي" و"المستقبل" لا تفي بالغرض ولا تؤدّي الى إنتخابات نيابية مبكرة بل تعزز حضور"حزب الله" وحلفائه. فبعد الطائف، نتيجة الإستقالات أياً يكن عددها هي انتخابات فرعية. وحدها إستقالة بعض المكوّنات قد تضرب الميثاقية وتدفع الى انتخابات عامة. من هنا، كان التركيز على كتلة "المستقبل" أو "اللقاء الديموقراطي"، فاستقالتهما قد تُفقد مجلس النواب التمثيل السنّي أو الدرزي الوازن.

الا أنّ بعض النواب المُستقيلين شدّد على أنّ لا جدوى من المعارضة تحت قبّة البرلمان، والمطلوب تغيير كلّي للسلطة، ثم ما لبث أن سارع الى الإعلان عن خوض الإنتخابات المقبلة بالمباشر او عبر حلفاء. هذا أشبه بمن يخرج من الباب ليعود من النافذة، ما يؤكّد أنّ هذه المجموعة من المستقيلين ليست سوى باحثة عن عراضات شعبوية ومزايدات رخيصة.

من بينهم على سبيل المِثال النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان التي أغدقت وسائل الإعلام بمواقف تخوينية، ليس فقط لمن يرفض الإستقالة بل ايضاً لمن عمل على استقالة مثمرة تطيح بمجلس النواب وتؤدّي الى انتخابات مبكرة.

فيعقوبيان خرجت من الباب، وأعلنت على سبيل المثال عبر قناة "الغد" الأربعاء 12 آب 2020 ما حرفيته: "بعد يلّي صار، وإنّو ما بيقبلوا يستقيلوا تأكّدت انّهم كلهم مافيا واحدة متعاونة ويتخانقوا على الفجعنة... حاملين الآلة الحاسبة وعم يحسبوا كيف فيهم يقطفوا من المأساة ويعزّزوا أوراقهم ويفرضوا مشروعهم".

يعقوبيان نفسها، هرولت الى الشبّاك وقالت السبت 15 آب 2020 عبر إذاعة "صوت لبنان": "السؤال عن الإنتخابات الفرعية ليس سؤالاً إفتراضياً، هو سؤال واقعي وجدّي، كل مرّة يوجد صندوق اقتراع سنُرشّح. ونقول لتلاميذ المدرسة بأنه في كل مرّة نملك الفرصة علينا أن نوصل شخصاً ليواجه السلطة الحاكمة في المجلس النيابي، ومُمكن أن يكون هناك مرشّح قريب منّا، أو يُمكن أن أترشّح أنا، قد نقرّر أن نذهب الى انتخابات عامة، فالفرعية لا تنفع لأنّك راجع تقعد معهم ولا أعلم توجّهنا كيف سيكون، لكن المهم ألا نترك المجال لهم في أيّ استحقاق".

الإستقالة من مجلس النواب وسيلة وليست هدفاً، وصديق الشعب اللبناني من صادقه لا من تملّق له. فما أحوج لبنان اليوم لسياسيين قادة لا زعماء أو باحثين عن دور، ولناشطين أصحاب رأي ورؤية وروية، لا أصحاب أجندات وإنفعالات وأهداف شخصية.


MISS 3