منذ 5500 سنة، شَهِدت منطقة شمال أفريقيا تحولاً جذرياً، فقد توسّعت الصحراء الكبرى واختفت المراعي والغابات والبحيرات التي يحبها البشر. نتيجةً لذلك، اضطر الناس للانسحاب نحو الجبال، والواحات، ووادي النيل والدلتا.
فيما راحت مجموعة متفرّقة وكبيرة نسبياً من الناس تتركّز في مساحات أصغر حجماً وأكثر خصوبة، برزت الحاجة إلى ابتكار طرق جديدة لإنتاج الأغذية وتنظيم المجتمع. بعد فترة قصيرة، ظهرت واحدة من أعظم الحضارات الأولى في العالم: مصر القديمة.
يُعتبر هذا التحوّل الذي امتد بين أحدث «حقبة أفريقية رطبة» (منذ فترة تتراوح بين 15 ألفاً و5500 سنة) والظروف الجافة الراهنة في شمال أفريقيا أوضح مثال على نقطة التحوّل المناخية التي يشهدها التاريخ الجيولوجي الحديث. تُعتبر نقاط التحول المناخية عتبات حاسمة، ما يعني أنها قد تؤدي إلى تغيّر مناخي جذري بعد تجاوز عتبة معيّنة، وصولاً إلى ظهور مناخ مستقر جديد.
تكشف دراسة جديدة الآن أن المناخ في شمال أفريقيا كان يتراوح بين حالتَين مناخيتَين مستقرتَين قبل جفاف المنطقة وتغيّر الوضع المناخي بشكلٍ دائم. إنها أول دراسة تثبت أن ذلك التحوّل حصل في حقبات ماضية من تاريخ الأرض، وهي تكشف أن الأماكن التي تشهد دورات متبدلة من التغير المناخي اليوم قد تتجه في بعض الحالات إلى نقاط تحوّل خاصة بها.
تبيّن الآن أن المناخ تابع التغيّر طوال ألف سنة تقريباً وتراوح بين الجفاف الحاد والرطوبة المفرطة في نهاية الحقبة الأفريقية الرطبة. في المحصّلة، رصد الباحثون 14 مرحلة من الجفاف على الأقل، ودامت كل واحدة منها بين 20 و80 سنة، وتكررت كل 160 سنة تقريباً. في المراحل اللاحقة، سُجّلت سبع مراحل رطبة وكانت مشابهة على مستوى المدة والوتيرة. أخيراً، انتشر مناخ جاف منذ 5500 سنة واستمر حتى الآن.
يبدو أن الظروف المناخية المتبدلة، مثل دورات الرطوبة والجفاف السريعة، قد تنذر بتحوّل كبير في النظام المناخي. قد يسمح رصد هذه الأدلة الآن بإطلاق تحذيرات ضرورية حول احتمال أن يؤدي الاحتباس مستقبلاً إلى ظهور واحدة من 16 نقطة تحوّل مناخية على الأقل.
إنه استنتاج مهم بالنسبة إلى مناطق مثل شرق أفريقيا، حيث يتعرّض حوالى 500 مليون شخص لمخاطر التغير المناخي بسبب عوامل مثل الجفاف.