خضر حلوة

ربح العالم وخسر نفسه...

24 آب 2020

02 : 00

ماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم وخسر نفسه (متى ٢٦/١٦).

قياساً على ما نطق به سيدنا يسوع المسيح في احدى عظاته يحق لنا ان نسأل اسئلة عديدة ومشروعة نتيجة ما حصل من دمار وتدمير، ومن قتل وتشريد، من تخريب وسرقات، من تهجير وتفقير... على وقع النكبة الاخيرة للعاصمة، وعلى وقع عقود وعقود من الحروب والحوادث والاغتيالات، وعلى وقع تداعي مقومات الدولة بحدها الادنى منذ 15 عاماً وتفلّت الامن واستباحة الادارات عبر النهب الفاضح والسمسرات والصفقات وتكدس ثروات مشبوهة لأفراد ولمؤسسات او شركات، وعلى وقع الشعارات العنصرية والطائفية والشعبوية التي لا تمت مطلقاً الى الحد الادنى من السياسة المشروعة بين موالٍ ومعارض، وعلى وقع طبول الفتنة في الاحياء والشوارع، في الجبل وعلى الساحل، والمطالبة باستعادة الحقوق والسلطة، وبعد كل هذا الشريط المؤلم لمسار الدولة المتهالكة الا يحق لنا ان نتساءل او ان نردد ما قاله سيدنا يسوع المسيح: ماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم وخسر نفسه؟

ماذا ينفع ان نكون على راس هرم حكم "قوي" مثلث الاضلاع وجدران المنازل مهدمة، وسقوف البيوت مشرعة كما شرفاتها وتراثها، وهي ان حكت كما عبّر لامارتين في احدى قصائده حين ناجى كل ما هو بلا روح ورأى فيه أرواحاً متعلقة بأرواحنا وتحاكينا وتجبرنا على حبها والتعلق بها.

ماذا ينفع ان يكون فلان وزيراً يدعي استعادة الحقوق لطائفته وحقوقها هُدرت ومآويها اندثرت؟

بل ماذا يضر او لا ينفع اذا ما وجدنا وزيراً بلا هوية طائفية "اساسية" اشورياً كان او سريانياً، علوياً او انجيلياً، ان يكون وزيراً للطاقة ينفذ ما هو معروف ومطلوب؟ كذلك في المالية والخارجية والداخلية والتربية والاشغال وكل الوزارات والادارات المدنية والعسكرية والامنية التي تنوء تحت عبء شبهة الفساد.

ان شعار الحقوق الطائفية هو شعار سياسي أفسد البلاد وأفسد حتى الصالحين من العباد الذين اُجبروا على الدخول تحت سقف هذا الشعار الغرائزي المخرّب، وما على الثورة الا ان تحوّل بوصلتها نحو حقوق المواطن عبر مؤسسات الدولة التي جربناها قبل السبعينات والثمانينات، ولا داعي لتكرار ذكرها لانها باتت معروفة وما زالت آثارها موجودة لكن تم تخريبها وتطييفها وتحاصصها باسم "حقوق الطوائف".

وها نحن اليوم امام مفترق تاريخي، فاما ان يزول لبنان الذي باستطاعته استئناف عودته تدريجياً من خلال خطة وطنية واضحة للصغير والكبير، ومن خلال التعهدات الدولية والعربية ومساعداتها، واما نهاية هذا البلد التي نتمنى ألّا تكون مقصودة، وعندها يستحق قول السيد المسيح: ماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم وخسر نفسه، وخسر وطنه وخسر سمعته وخسر كرامته وكل ما لديه بسبب التكابر والنكران والاستئثار.

MISS 3