كيف يفكّر دماغك؟

02 : 00

الخلايا العصبية عامل أساسي في الدماغ، إذ تتولى هذه العناصر الضئيلة توجيه أو تلقي الإشارات والرسائل كي تتمكن من التواصل في ما بينها.

يشمل الدماغ بين 80 و100 مليار خلية عصبية، وتميل هذه الخلايا إلى التجمّع لتشكيل مسارات عصبية. عندما تراودك أي فكرة، تنشط الخلايا العصبية في دماغك وتنتج نبضات كهربائية. تميل تلك النبضات إلى التنقل على طول مسارات مشابهة وتطلق في الوقت نفسه عناصر كيماوية ضئيلة من نوع الناقلات العصبية.

عندما تختبر تجارب جديدة وتستكشف العالم من حولك، تزداد قوة تلك الروابط. حين تتعلم طريقة ركوب الدراجة الهوائية مثلاً، قد تخسر ثباتك وتجد صعوبة في تنسيق حركات مختلف العضلات مع قدرتك على التمسّك بتوازنك.

لكن كلما كثّفتَ تدريباتك، ستنشط الخلايا العصبية التي تتحكّم بعضلاتك وتوازنك بشكلٍ متزامن، ما يُسهّل هذه العملية مع استمرار التدريبات. سرعان ما تتشابك الخلايا وتنتج شبكات عصبية. لهذا السبب، يُعتبر التدرّب والتكرار من أهم العوامل لتحسين مهاراتك، سواء قررتَ العزف على البيانو أو تعلّم لغة جديدة. تنشأ الشبكات العصبية ثم تزداد قوة كلما زاد التواصل بينها. يمكن نَسْب بعض أنماط التفكير أو السلوكيات إلى هذا النوع من النشاطات المنسّقة والمتكررة.

قد لا تعرف إلا جزءاً بسيطاً من المعلومات التي يستوعبها دماغك الذي لا يكف عن تلقي المدخلات من حواسك (المشاهد، الأصوات، النكهات، الروائح، اللمسات). عندما تشاهد جرواً لطيفاً أو تسمع أغنيتك المفضّلة مثلاً، ترسل حواسك إشارات إلى الدماغ، فتطلق تفاعلاً متسلسلاً من الأفكار والعواطف.



في الوقت نفسه، يخزّن الدماغ الذكريات التي تشبه الملفات المخزّنة في الحاسوب، ما يعني إمكانية الوصول إليها عند الحاجة. تسهم الذكريات في رسم معالم الأفكار وتؤثر على طريقة رؤية العالم.

قد تشعر بالسعادة والاسترخاء مثلاً حين تتذكر يوماً ممتعاً أمضيتَه على الشاطئ. أو قد تتذكر الأطباق التي كانت جدّتك تُحضّرها عندما تشمّ رائحة فطيرة بالتفاح. تنشط هذه الأفكار لأن تلك الروابط الإيجابية سبق ونشأت في دماغك، وهي تزداد قوة مع مرور الوقت بسبب ظهورها المتكرر.

يُعتبر الإبداع قوة خارقة أخرى في الدماغ. عندما تطلق العنان لمخيّلتك، يستطيع الدماغ أن يبتكر أفكاراً وقصصاً واختراعات جديدة. يستعمل الفنانون والكتّاب والعلماء أدمغتهم الخلّاقة لاستكشاف احتمالات جديدة وحل المشاكل العالقة.

هل اختبرتَ يوماً لحظة إدراك قوية، فتظهر فكرة لامعة في عقلك من العدم؟ إنها الطريقة التي يلجأ إليها دماغك لربط الخيوط والتوصل إلى الحل المنشود.

يُجمِع معظم العلماء على أهمية النوم لتمكين الدماغ من معالجة المعلومات المُجمّعة على مر اليوم والسماح له بأخذ قسطٍ من الراحة وتشكيل روابط جديدة. يستنتج عدد كبير من الناس أنهم يتوصلون إلى أفكار لامعة بعد ليلة من النوم العميق. لكنّ العكس صحيح أيضاً، ما يعني أنك قد تعجز عن التفكير بطريقة سليمة إذا لم تَنَم لمدة كافية.

بالإضافة إلى النوم الكافي، يجب أن تحرص أيضاً على تناول مأكولات صحية وممارسة التمارين الجسدية بانتظام. على غرار السيارة التي تحتاج إلى الوقود للتحرك بلا مشكلة، يحتاج دماغك إلى المغذيات والأكسجين كي يقدّم أفضل أداء له ويعزز قوة التفكير.

على صعيد آخر، قد تستفيد من النشاطات التي تتحدى دماغك، لا سيما القراءة، وحل الأحجيات والمعادلات الرياضية، والعزف على الآلات الموسيقية، وابتكار الفنون، وكتابة المقالات والمذكرات، وتحليل الكتب. ستستفيد أيضاً من التفكير الإيجابي. كذلك، يجب أن تتذكّر دوماً أن دماغك يتأثر بما تأكله، أو تشاهده، أو تسمعه، أو تقرأه.

في المقابل، يؤدي تدخين السجائر التقليدية، أو التدخين الإلكتروني، وشرب الكحول، وتعاطي المخدرات، إلى قتل الخلايا الدماغية. قد يظهر هذا الأثر السلبي أيضاً بسبب إصابات الرأس عند ممارسة رياضات مثل كرة القدم أو ركوب الدراجة الهوائية. في هذه الظروف، قد تُحدِث الخوذة فرقاً كبيراً.

في النهاية، يبقى الدماغ عضواً مبهراً بمعنى الكلمة، فهو لا يكف عن ابتكار الأفكار والذكريات. ومع استمرار تحسّن التكنولوجيا في هذا العصر، يتّجه العلماء إلى جمع معلومات متزايدة عن الآلية التي تسمح للعمليات البيولوجية بإطلاق تجاربنا الواعية.

في مطلق الأحوال، يطرح استكشاف الدماغ تحدياً صعباً على المستوى العصبي والعلمي، إذ لا يزال الطريق طويلاً قبل أن نتمكن من فهم طريقة عمل هذا العضو بالكامل.