سلسلة "زيارة" الوثائقية...تحية إلى بيروت من فنّانيها

02 : 05

12 فناناً من كبار الأسماء في عالم الرقص والمسرح والتلفزيون والموسيقى، اجتمعوا أمس الأول في ساحة الشهداء حيث صدحت من قلبها أصوات هؤلاء المبدعين في كل أنحاء العاصمة، ضمن افتتاح مهرجان «ربيع بيروت»، موجّهين تحيةً لبيروت من خلال سلسلة «زيارة» الوثائقية (عبر «يوتيوب») في موسمها الثامن، التي تهدف إلى إلهام وتحفيز الشفاء العاطفي الاجتماعي من خلال الأفلام القصيرة أو المسلسلات وتوثيق المشاعر الإنسانية من خلال الفنون السمعية والبصرية.



اختارت هذه السلسلة الحائزة جوائز عالمية لحلقاتها البالغة مدة كل منها نحو خمس دقائق عدداً من كبار الأسماء في عالم الرقص والمسرح والتلفزيون والموسيقى هم جورجيت جبارة وروجيه عساف ورفعت طربيه ورندة كعدي وفايق حميصي وزياد الأحمدية وميراي معلوف وتقلا شمعون وهاروت فازليان وأميمة الخليل ونقولا دانيال ورندا الأسمر.

وفي المناسبة، قالت المنتجة دنيز جبّور: «لقد أهدينا الموسم الثامن إلى مدينة بيروت التي أعطتنا الجمال والحب والبشاعة والأسى والحرب والدمار، ولكن أجمل ما أعطتنا إياه هو معنى الحرية لنكون مبدعين ونخلق أشياء نؤمن بها ونحقق هذه الأحلام»، موضحةً أنّ خيار إقامة العرض الأول لهذا الموسم في ساحة الشهداء هو لرمزية هذه الساحة التي تحمل رسائل مهمة، من ثورات مختلفة ومن أفكار متباينة، ونشعر بالحزن حين نرى أضواءها مطفأة خالية كأننا في مدينة أشباح». وتابعت: «لأننا نكرّم مدينة بيروت أحببنا أن نكون في هذه الساحة لنعيد إليها الحياة ولو لليلة واحدة لتصدح من قلبها أصوات هؤلاء الفنانين المشاركين في كل أنحاء العاصمة»، مضيفةً: «صوّرنا الحلقات مع 12 بطلاً، هم ست نساء وستة رجال. إنهم فنانون كبار، بعضهم ساهم في تأسيس المسرح اللبناني، وشارك في النهضة الثقافية والفنية في البلد ويروي علاقته بهذه المدينة التي كانت مساحة كبيرة للحريات والجمال والفن والثقافة وكيف تحوّلت مع الحرب والأزمة الاقتصادية وانفجار «4 آب» وكل ما عاشته من حروب ونزاعات. تدمّرت وتشوّهت ودائماً يبقى فيها أمل، كما يرون، ليعيش الإنسان ويحبّ ويبدع».



جانب من الحضور


أبطال السلسلة

وفي حلقات هذا الموسم من «زيارة» التي أنجزت بفضل دعم صندوق بيريت التابع لليونسكو، وتولّت إخراجها وتصويرها كما المواسم السابقة موريال أبو الروس، روَت جورجيت جبارة مثلاً كيف أنها، في خضمّ الحرب، بينما كانت البواخر تنقل اللبنانيين المهاجرين، كانت منهمكة في بناء مدرستها للرقص في الزوق حجراً حجراً وكيف أنجزت أعمالاً بارزة، وحصدت جوائز تحت القنابل.

وذكّر روجيه عساف بأن «بيروت كانت منصّة لكل الأفكار والأديان ودرساً للمجتمع عن الحرية»، وأسف لأن «بيروت دمّرت وأزيلت واقتلعوا آثارها وسكانها وأبنيتها وأجواءها». ووصف السنوات ما بعد 2019 بأنها «أصعب مرحلة في حياته إذ انطفأت الثورة وانطفأ كل شيء. إنه الموت البطيء».

وقارنت ميراي معلوف بين بيروت وبرودواي، حيث المسارح النيويوركية الشهيرة، ولاحظت أن العاصمة اللبنانية كانت «ملتقى الشعراء والكتاب بالفنانين». وقالت: «في ثمانينات القرن العشرين كان لدينا تعلّق بالحياة، إنما اليوم الجو العام فيه كآبة ونعيش في زمن الدمار الشامل».

وشدّد رفعت طربيه على أن «بيروت كانت عاصمة الحرّيات في العالم العربي»، قائلاً: «توّجنا بيروت الحبيبة بهالة المسرح والمسرح هو مقياس حضارة أي شعب»، مضيفاً: «لقد خرّبوها».



رندة كعدي


واعتبرت رندة كعدي أن الحرب أفسدت طفولتها ووأدت أحلامها. وقالت «كانت بيروت تتمزّق وقلبي أيضاً».

وأضافت: «لديّ غضب على هذا الوطن. فالوطن أمّ، ولكن ما هذه الأمّ التي لا تحضن أولادها؟».

وأشار فايق حميصي إلى أن «بيروت أم للتجارب الجديدة التي تحتضنها». وقال: «أعطتني فرصة أن أعتلي المسرح وأن أكون مختلفاً».

أما رندا الأسمر فروَت أن المسرح كان خلال الحرب «ملجأً وعلاجاً لتنسى الواقع والقصف والعذاب».

وأضافت: «بيروت كانت فيها إمكانات كبيرة للفرح والأناقة والثقافة والفن وكانت مدينة حرّة، لكنها اليوم لم تعد المدينة التي أعرفها».

ولاحظ نقولا دانيال أن بيروت «كانت أجمل مدينة للعيش، إذ كانت تضجّ بالحياة، ولكن اليوم اختفت معالمها» ما يجعله يعيش «في غربة قاتلة». وأضاف: «كلما نهض البلد يتعرّض لضربة على رأسه».

وأخبرت تقلا شمعون كيف تهجّرت مرّتين خلال الحرب. وقالت: «شعرت بالخوف بعد التهجير الثاني في 1982 فكان الخيار أن نعيش في بيروت التي كانت يا للأسف مقسّمة». وأضافت: «لا أستطيع أن أعيش خارج لبنان».

ورأى زياد الأحمدية أن «اللبناني يجيد تدبُّر أمره في أي ظروف يعيش فيها. إنه شعب يعتمد على نفسه. من لا شيء يصنع أشياء».

ووصفت أميمة الخليل بيروت بأنها «مدينة حزينة مهزومة مكسورة، ليس فيها شيء جميل لكنها جميلة، ولا أعرف من أين تأتي بهذا السحر».

واستعاد هاروت فازليان ذكريات مسرحيات الأخوين رحباني التي كان يحضرها كونه نجل المخرج بيرج فازليان. وقال: «لا نستطيع أن نعيش من دون فن ومن دون موسيقى. إذا لم يكن يوجد حب وأمل لا نملك شيئاً».



هاروت فازليان


لغة سينمائية قائمة على الحدس

تسعى سلسلة «زيارة» في حلقاتها إلى تقديم صورة شاعرية عن الأشخاص الذين تتناولهم، يروون من خلالها قصصهم كما فعل أبطال هذا الموسم، ويعبّرون عن عواطفهم ومشاعرهم، ويترافق كل شريط مع نبذة عن بطله أو بطلته.

وشرحت المخرجة ومديرة التصوير موريال أبو الروس أن فلسفة «زيارة» انطلقت في الأساس من الرغبة في تصوير أشخاص يشكّلون مثلاً أعلى لنا جميعاً ويحفّزوننا على الاستمرار رغم كل الصعوبات.

وأكّدت أن «لغة «زيارة» السينمائية تعتمد على الحدس في التصوير الذي لا يقوم على تحضير أو تصميم مسبق». وأكدت أن لغة «زيارة» السينمائية تتّسم ببصمة خاصة وباتت لديها براءة اختراع.

وأوضحت أن «الحلقة تُخلق مع الشخص الذي يكون محورها، مشددةً تالياً على أن «زيارة» عبارة عن عملية إبداعية مشتركة. وأضافت: «روح الشخص وروحنا تمتزجان وتولد الحلقة. من خلال قلبي ومشاعري، أختار التفاصيل التي أصوّرها». وتابعت قائلةً: «أنا أحبّ الشعر كثيراً مع أنني لا أجيد كتابته، لكنّ «زيارة» علّمتني أن في داخلي شاعرة نائمة».

ورأت أن «زيارة» هي عبارة عن شعر ورسم وحبّ بلغة بصرية وسمعية تتيح الاستماع الى الشخص والشعور به قبل اكتشافه، بغض النظر عن اللون والدين والاختلافات الموجودة بيننا جغرافياً». وأضافت أن هذه السلسلة هي بمثابة حبّ وتعاطف واحترام وإعجاب وتكريم للمشاعر الإنسانية بلغة شاعرية بصرية تجريبية لا حدود لها، خاتمةً «ما دمت أكسر الحدود التي في داخلي، فستتطور «زيارة»».



جورجيت جبارة


أبطال لا ضحايا
تقف جمعية Home of Cine-Jam للفنون الإنسانية التي أسستها جبور وأبو الروس وراء مبادرة «زيارة»، إذ تهدف الجمعية إلى إلهام وتحفيز الشفاء العاطفي الاجتماعي من خلال الأفلام القصيرة أو المسلسلات وتوثيق المشاعر الإنسانية من خلال الفنون السمعية والبصرية.

وقالت المنتجة دنيز جبور إن سلسلة «زيارة» انطلقت عام 2014 من حاجتنا إلى لقاء الناس والاستماع الى قصصهم ونقلها إلى الجمهور. وهي كما يشير عنوانها زيارة قصيرة وبسيطة. نزور الشخص، نتحدث معه، ونسأله عن حياته، وعن أصعب تجربة عاشها وكيف استطاع أن يتخطاها.

وأضافت: «تناولنا مواضيع إنسانية واجتماعية مختلفة كإدمان المخدّرات والتنمّر وفقدان الولد والاغتصاب والحرب الأهلية وأهالي المفقودين. ونطلق على المشاركين صفة أبطال لأنهم كانوا دائماً منتصرين وليسوا ضحايا التجربة التي عاشوها، واستمرّوا في الحياة بطريقة إيجابية».

وأكدت أن السلسلة «تبتعد قدر المستطاع عن السياسة، والدين... عن كل ما قد يفرّق البشر، ونروي فقط القصص الإنسانية التي تعود لتجمعنا وتذكّرنا بأن الإنسان هو الأولوية التي تجمعنا مهما اختلفنا واختلفت خلفيّاتنا».



رندا الأسمر

MISS 3