لا يزال إنسان نياندرتال يبهر الباحثين وعامة الناس على حدّ سواء. انقرضت هذه الجماعة منذ 40 ألف سنة، ثم استعمر السكان المعاصرون العالم وتابعوا الازدهار فيه. لطالما كان اختلاف مصير هاتين الجماعتَين محطّ جدل محتدم: هل ينجم الفرق بينهما عن اختلافٍ في اللغة والأفكار؟
تشير الأدلة عموماً إلى وجود اختلافات بارزة بين أدمغة البشر المعاصرين وإنسان نياندرتال، ما سمح للإنسان العاقل بابتكار أفكار نظرية ومعقّدة عبر استعمال الاستعارات، أي القدرة على المقارنة بين مسألتَين لا صلة بينهما. لإتمام هذه العملية، اضطر الإنسان المعاصر لفصل نفسه عن جماعات النياندرتال على مستوى هندسة الدماغ.
يعتبر بعض الخبراء الأدلة الأثرية والهياكل العظمية إثباتاً على وجود اختلافات عميقة بين الجماعتَين. لكن ينفي البعض الآخر وجودها، ويفضّل آخرون طرح تفسيرات معتدلة.
لا تبدو هذه الاختلافات مفاجئة عند محاولة استخلاص استنتاجات غير ملموسة انطلاقاً من بقايا مادية مثل العظام والقطع الأثرية. لكن تبقى هذه الأدلة مجزّأة وغامضة، وهي تطرح معضلة معقدة حتى الآن عن مسار تطور اللغة، وأسبابه، وتوقيته.
تأتي أحدث الاكتشافات في علم الآثار ومجالات أخرى لتضيف معلومات جديدة وتشارك في حل هذه الأحجية اللغوية، ما قد يسمح بتكوين صورة منطقية عن عقل إنسان نياندرتال.
تكشف أدلة تشريحية جديدة أن ذلك الإنسان كان يحمل أحبالاً صوتية ومسارات سمعية لا تختلف كثيراً عن البشر اليوم، ما يعني أن تلك الجماعة كانت تستطيع التواصل عن طريق الكلام أيضاً.
يشير اكتشاف جينات إنسان نياندرتال في الجنس البشري المعاصر إلى حصول موجات متعدّدة من التهجين، ما يعني ظهور أشكال فاعلة من التواصل والعلاقات الاجتماعية بين الأجناس.
من خلال الربط بين كتل دماغية مختلفة ومسؤولة عن تخزين عدد من المفاهيم، اكتسب الإنسان المعاصر القدرة على التفكير والتواصل عبر استعمال الاستعارات، فتمكّن من رسم خط فاصل بين مختلف المفاهيم والأفكار.
يمكن اعتبار هذه القدرة من أهم أدواتنا المعرفية، فهي تسمح لنا بابتكار مفاهيم معقدة ومجرّدة. كان الإنسان العاقل والنياندرتال يتقاسمان كلمات وتركيبات جُمَل أسطورية، لكن جاءت الاستعارات وغيّرت اللغة والأفكار والثقافة الحديثة، فظهر اختلاف شديد بين الجماعتَين.