وليد شقير

ماكرون قد يترك لبنان صغيراً

28 آب 2020

02 : 00

"لبنان أمام خطر الاختفاء". عبارة لوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الذي بات يعرف لبنان واللبنانيين عن ظهر قلب، هو والرئيس إيمانويل ماكرون.

ما أدلى به الوزير الفرنسي هو على الأرجح ما سنبدأ بالتفرج عليه بعد زيارة ماكرون الثلثاء المقبل للاحتفال مع المسؤولين اللبنانيين بتأسيس لبنان الكبير. سيتذكر إما فور مغادرة طائرته بيروت، أو بعد بضعة أيام، أن فرنسا سلمت أهل البلد لبنان الكبير فأحالوه لبنان الصغير على قياس طموحات صغيرة، لفريق سياسي يتمسك بالسلطة من أجل المنافع فقط ولا شيء آخر، يتحكم برقاب العباد مستنداً إلى صدفة تاريخية جعلته خادماً صغيراً وأحياناً محتقراً، عند مشروع إقليمي، يتوهم أصحابه بأنهم جزء من أمبراطورية تعم الشرق. يغفل هذا الفريق أن إيران بلغت مرحلة من التعب والوهن بفعل العقوبات والعداوة مع المجتمع الدولي، تضطرها عاجلاً أم آجلاً، إلى التفاوض مع "الشيطان الأكبر" تحت غبار التصعيد وهدير القذائف من اليمن إلى جنوب لبنان.

يربط الوسط السياسي القريب من العهد الرئاسي الخروج من الجمود حيال أولوية إنهاء الفراغ الحكومي بزيارة ماكرون، ويتفنّن بعض منظريه بمناورات من نوع تكليف شخصية ضعيفة خاضعة لشروط رجال الرئاسة، ليتحول تركيب الحكومة الجديدة إلى مبارزة جديدة بين فرقاء تحالف 8 آذار و"التيار الوطني الحر" حول الحصص. في هذه الحال سيتكرر ما حصل مع تأليف الحكومة المستقيلة، من مسرحيات استقلالية رئيسها واستعراضية بعض وزرائها، لتصبح الرئاسة الثالثة إلى موقع مرهون لنفوذ "حزب الله". فالأخير انتقل من موقع التحالف اللصيق مع عون وصهره جبران باسيل إلى فصل جديد من الإمساك بالسلطة، يقضي بإهمال الموقع المسيحي الأول جراء ضعفه وتراجع شعبيته، والاكتفاء باستثماره متى وقف معه مثلما فعل الرئيس عون في حديثه لمجلة "باري ماتش" أمس. فالخيار التكتيكي لـ"الحزب" هو التأقلم مع المرحلة الرمادية حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية، لمصلحة أولوية التعاون الوثيق مع الموقع السني، شرط قبول من يتبوأه بأن يعوّض عن تراجع دور ووزن الرئاسة الأولى في تأمين الغطاء المطلوب لمواصلة استخدامه لبنان منصة للمشروع الإقليمي. هذا ما يفسر الرفض الشرس لشخصية مستقلة واستقلالية في نهجها وتوجهاتها، لا طموحات صغرى تتحكم بعلاقاتها، مثل نواف سلام، بعد إعلان الرئيس سعد الحريري أنه غير مرشح للمنصب. لكن هذا التوجه يستخف بممانعة الفرقاء اللبنانيين الوازنين أمام عملية إخضاع البلد، في وقت تلاشت قدرة ما تبقى من الاقتصاد على الصمود.

باعتماد أسلوب التأرجح بين التحالف مع عون وصهره جبران باسيل على رغم حرقهما الجسور مع جمهورهما والمجتمع الدولي، وبين التعاون مع رئيس للحكومة يكون طيعاً لـ"الحزب"، يتجاهل الأخير أن ما من شخصية وازنة تؤمن بإمكان التفاهم مع عون. وهذه مشكلة لـ"الحزب" مثلما هي مشكلة للقيادات المسيحية المعنية بالرئاسة. فالأخيرة تبدو محتارة في الاختيار بين تأييد الموقع المسيحي الأول وبين التصرف وفقاً لإضمحلال أي دور لهذا الموقع في استعادة "لبنان الكبير"، الذي تفاخر بأن الأوائل أساس في إنشائه.

مع أن البعض يفتش عن اختراق ما على افتراض حصول ماكرون على تجاوبٍ إيرانيٍ فعليٍ وليس شكلياً، يسمح بتأليف حكومة إنقاذية طبقاً لتوازنات البلد الحقيقية، الأرجح أن ينضم الرئيس الفرنسي إلى نادي الدول (وفي طليعتها أميركا) التي لا تمانع أن ينهار لبنان ليتحمل "الحزب" وحلفاؤه المسؤولية، وعندما يحين الظرف يعاد تركيبه.