دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس في أوّل كلام علني له منذ حلّه الجمعية الوطنية الأحد، إلى رصّ الصفوف في مواجهة كلّ أشكال «التطرّف» استعداداً للانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها بعد هزيمة معسكره المحرجة في الاقتراع الأوروبي وفوز حزب «التجمّع الوطني» اليميني الحازم غير المسبوق. وشدّد ماكرون على الحاجة إلى «توضيح» المسار، في محاولة لتبرير قرار حلّ البرلمان الذي أغرق البلاد في حال من عدم اليقين وأدّى إلى تشرذم داخلي في صفوف اليمين الجمهوري بسبب تحالف محتمل مع «التجمّع الوطني» بزعامة مارين لوبن.
وأكد ماكرون أنه يتحمّل «بالكامل مسؤولية التسبّب في حركة التوضيح هذه، لأنّ الفرنسيين طلبوا منّا ذلك الأحد، فعندما يصوّت 50 في المئة من الفرنسيين للمتطرّفين، وعندما تكون لدينا غالبية نسبية في الجمعية الوطنية لا يُمكننا أن نقول لهم: نواصل كأنّ شيئاً لم يكن»، معتبراً أن «على رئيس الجمهورية أن يُظهر الوجهة والرؤية، لكنّه ليس هنا من أجل خوض حملة الانتخابات التشريعية»، بيد أنّه تعهّد بأنه لا يُريد أن يُعطي «مفاتيح السلطة إلى اليمين المتطرّف في 2027»، في إشارة إلى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويأتي ذلك فيما يدور جدل في صفوف الغالبية والمعارضة على السواء، في شأن دور ماكرون في الحملة الانتخابية، فقد أكد رئيس الوزراء السابق في عهد ماكرون إدوار فيليب أنه «لست متأكداً أنه من السليم كلياً أن يخوض رئيس الجمهورية حملة انتخابات تشريعية»، مشيراً إلى «الاستغراب» و»أحياناً الغضب لدى الكثير» من الفرنسيين بسبب حلّ الجمعية الوطنية.
ورغم تراجع شعبيته واستطلاعات الرأي التي تظهر نتائجها أن «التجمّع الوطني» هو الأوفر حظّاً للفوز في الانتخابات المبكرة المقرّرة على دورتَين في 30 الحالي و7 تموز، دعا ماكرون أحزاب الغالبية إلى بدء محادثات مع أحزاب سياسية أخرى «بإمكانها أن تقف في وجه التطرّف لبناء مشروع مشترك صادق وفعّال للبلاد».
وعدّد ماكرون بعض الإجراءات التي قد يتضمّنها البرنامج، مثل نقاش واسع حول العلمانية، منتقداً على السواء، اليمين الحازم الذي يدعو إلى «الإقصاء» واليسار المتطرّف الممثل برأيه، بحزب «فرنسا الأبية»، متّهماً إيّاه بـ»معاداة السامية ومعاداة الحياة البرلمانية».
وقال: «أستخدم عبارة اليمين المتطرّف عندما أتحدّث عن «التجمّع الوطني» لأنّ قادته يستمرّون بالقول إنّ ثمّة فرنسيين حقيقيين وفرنسيين مزيّفين ويستمرّون في مناقشة تقليص حرّية الصحافة أو رفض دولة القانون»، لافتاً إلى «التحالفات غير الطبيعية» التي تُقام إن في أوساط اليمين أو اليسار.
وعلى الصعيد الديبلوماسي، اتهم ماكرون «التجمّع الوطني» بمواصلة اعتماد موقف «ملتبس حيال روسيا»، وبالسعي إلى «الخروج» من حلف «ناتو».
وفي المعسكر المعارض لماكرون، تتواصل المداولات في أجواء توتر، إذ أثارت دعوة زعيم حزب «الجمهوريين» اليميني إريك سيوتي للتحالف مع «التجمّع الوطني»، أزمة كبيرة في أوساط حزبه. وعقد اجتماع استثنائي للمكتب السياسي للحزب، وريث الحركة الديغولية، تقرّر خلاله طرد سيوتي من الحزب.
وقد اتخذ المكتب السياسي للحزب القرار «بالإجماع»، واعترض عليه سيوتي الذي قال: «أنا رئيس وسأظلّ رئيساً»، محذّراً من «عواقب جنائية»، فيما كان سيوتي قد أبدى الثلثاء رغبته في إقامة «تحالف» مع «التجمّع الوطني» لخوض الانتخابات التشريعية، الأمر الذي رحّبت به لوبن.
أمّا في معسكر اليسار، فتُحاول الأحزاب الأربعة الرئيسية، وهي «فرنسا الأبية» والحزب الاشتراكي و»الخضر» والحزب الشيوعي، توحيد الصفوف لتقديم «ترشيحات موحّدة اعتباراً من الدورة الأولى». وتجرى حاليّاً صياغة ملامح برنامج مشترك، بينما الاتفاق على زعيم يبقى معلّقاً.
ولكن، توصّلت هذه الأحزاب إلى اتفاق حول تقاسم الدوائر الانتخابية في إطار «الجبهة الشعبية «الجديدة التي شكّلتها، حسبما أفاد النائب عن «فرنسا الأبية» بول فانييه، المكلّف المفاوضات مع الأحزاب اليسارية الأخرى، وكالة «فرانس برس».
وبالانتظار، أظهر استطلاع للرأي أعدّته «إيفوب فيدوسيال» لحساب «أل سي آي» و»فيغارو» و»سود راديو»، أن «التجمّع الوطني» سيحصل على 35 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى.