من دون شك، العنوان غريب، لكن مَن يدقق في التطورات الميدانية في جنوب لبنان، يلاحظ المعادلة التالية: وتيرة التصعيد في الجنوب باتت توازي تلك الموجودة في غزة، والخسائر من القادة والمقاتلين من «حزب الله» في جنوب لبنان، توازي الخسائر من القادة والمقاتلين في غزة. وعليه فإن كل حديث عن إشغال إسرائيل من جنوب لبنان لتخفيف الضغط عن «حماس» في غزة، لم يعد له أي قيمة أو مردود في العلوم العسكرية.
من خلال تتبع كل ما يجري، يبدو أن كل مخططات «الحزب» لتفادي التخفيف من سقوط مقاتليه، قد فشلت، الجميع يتذكرون كيف أن الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله ناشد عناصر الحزب وأبناء الجنوب عدم استخدام الهواتف الذكية، بعدما اكتشف أن اسرائيل تملك «داتا الإتصالات» الخلوية والأرضية، وتتعقب قادته وعناصره من خلال هواتفهم الذكية أو هواتف مرافقيهم، أو هواتف المنازل.
إنتقل «الحزب» إلى خطة ثانية وهي أن يتفادى مقاتلوه وقادته الإقتراب من الحدود وأن يقوموا بعمليات القصف وتوجيه الصواريخ والمسيّرات من مسافات بعيدة تفادياً لتعقب الصواريخ الإسرائيلية لهم. كانت هذه الخطة بمثابة مناورة إذ تبيَّن أن «حزب الله» استخدمها إعلامياً «للتضليل» بمعنى أن قادته ومقاتليه استمرّوا في مواقعهم، وهذا ما كشفه الإسرائيلي والدليل الأكبر على ذلك العملية الكبيرة ليل الثلثاء – الأربعاء وسقوط قائد عسكري في «حزب الله» هو الأرفع منصباً ومسؤولية منذ بدء فتح «جبهة الإسناد» في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الفائت، في اليوم التالي لبدء عملية «طوفان الأقصى».
اليوم، «حزب الله» في وضعٍ حرِج، مهما طالت محاولات الإنكار، بدأ حربه تحت عنوان «إسناد حماس في غزة»، اليوم يحتاج إلى «إسناد» له في جنوب لبنان. يسقط قادته الميدانيون الواحد تلو الآخر، وتقصَف مستودعات ذخيرته وصواريخه في أقصى البقاع الشمالي، كما تقصَف مستودعاته وشاحنات الأسلحة المتجهة إليه من سوريا. إنطلاقاً من هذا الواقع الميداني، هل «حزب الله» هو في وضع «الإسناد» أو في وضع مَن يحتاج إلى الإسناد؟
الواقع السياسي والميداني يُنبئ بأن «جبهة الإسناد» في الجنوب باتت بحاجةٍ إلى «إسناد» بعدما تحوَّلت إلى عبء، لا يعترف «حزب الله» بهذا الواقع، لكن عدم الإعتراف به لا يعني أنه غير موجود.
إن حرباً، بلغت، حتى الآن، شهرها التاسع، لا يمكن أن تقف إلا في حال من إثنتين: إما بانتصار طرف على طرف، وإما بتسوية كبرى تبدأ في رفح وتنتهي في طهران، الواقع ليس عند هذا المستوى، وكأن الحرب ما زالت في ذروتها، وإلى أن تحط رحالها، ما هو الثمن الذي يكون قد دفعه لبنان؟