الحياة السياسية الفرنسية تشهد "هزّات ارتدادية" بعد حلّ البرلمان

ماريون ماريشال خلال تصريح صحافي في باريس أمس الأوّل (أ ف ب)

لا يزال قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المزلزل بحلّ الجمعية الوطنية الفرنسية إثر هزيمة معسكره المحرجة أمام حزب «التجمع الوطني» اليميني الحازم بزعامة مارين لوبن في الإنتخابات الأوروبّية الأحد، يُثير «هزّات ارتدادية» في أوساط الأحزاب اليمينية واليسارية التي تُحاول رصّ صفوفها قبيل الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها ماكرون على دورتين في 30 الحالي و7 تموز المقبل.

ويحاول معسكر ماكرون تقديم الانتخابات على أنها «خيار المجتمع» بين الكتلة التقدّمية التي سيُجسّدها و»المتطرّفين» في اليسار واليمين الذين «يُغذّون الإنقسام»، حسبما أفاد رئيس الوزراء غابريال أتال إذاعة «فرانس إنتر»، بينما تتسارع عملية إعادة تركيب التحالفات السياسية يميناً ويساراً قبيل الانتخابات وتتحوّل أحياناً إلى «صراع عروش».

وظهرت انقسامات واسعة داخل المعارضة اليمينية، فقد أُطيح رئيس حزب «الجمهوريين» إريك سيوتي من منصبه بعدما نأى معسكره بنفسه عنه بسبب اقتراحه تحالفاً غير مسبوق مع «التجمّع الوطني»، لكنّه يرفض ترك منصبه، إذ ذهب الأربعاء إلى حدّ إغلاق مقرّ الحزب لمنع وصول المتمرّدين الذين جاؤوا لعزله وذهب إلى هناك أمس في إشارة إلى أنه يرفض «إلقاء السلاح». وأكد على قناة «سي نيوز» أنه يعلم بأنّه يحظى بـ»ثقة الناشطين».

وامتدّت الخلافات إلى حزب «استرداد»، حيث استبعد مؤسّسه إريك زمور رئيسة لائحة الحزب في الانتخابات الأوروبّية ماريون ماريشال، ابنة شقيقة لوبن، بعدما دعت إلى التصويت لصالح «التجمّع الوطني» المنافس، متّهمةً زمور بأنه يُعرقل الوصول إلى «وحدة اليمين»، بينما اتهمها زمور بخيانة ناخبي «استرداد» الذين أوصلوها إلى بروكسل، مؤكداً أنه جاهز لعدم تقديم ترشيحات باسم «استرداد» في حال اتفاقه مع «التجمّع الوطني».

أمّا بالنسبة إلى اليسار، فقد شكّل تحالفاً للانتخابات التشريعية بعد أيام قليلة من انقسامه خلال الانتخابات الأوروبّية، لكن يبقى الاتفاق على شخصية توافقية لقيادته. وادّعى المرشّح الرئاسي السابق ورئيس حزب «فرنسا الأبية» المتطرّف جان لوك ميلانشون الأربعاء أنّه «قادر» على قيادة الحكومة، لكن شخصيّته المثيرة للانقسام بعيدة كلّ البُعد عن الإجماع، خصوصاً بسبب تصريحاته الملتبسة حول معاداة السامية منذ هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأوّل على إسرائيل.

ويأتي ذلك بعدما اتّفقت أحزاب اليسار الرئيسية الأربعة، «فرنسا الأبية» والحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الشيوعي، على تقاسم الدوائر الانتخابية البالغ عددها 577 والاجتماع تحت راية «الجبهة الشعبية»، وهو الإسم الذي يُشير إلى التحالف الذي شُكِّل في فرنسا عام 1936.

ولكن يُثير التحالف مع «فرنسا الأبية» المتطرّف نقمة لدى بعض الناخبين اليساريين، إذ قالت فلورنس لوكالة «فرانس برس» إنّ «حزب «فرنسا الأبية» ينتهك القيم الاشتراكية»، مشيرةً إلى أن بعض الاشتراكيين الذين يواجهون فكرة الاتحاد مع حزب ميلانشون ينتابهم شعور بـ»الخيانة». وانتقد متعاطفون مع الحزب الاشتراكي زعيم «فرنسا الأبية» بسبب «طائفيته» و»تصريحاته العنيفة» وحتّى «لدعمه الأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا»، إذ تُطالب «فرنسا الأبية» بمغادرة القيادة المتكاملة لحلف «الناتو» وتُندّد بتحالف منهجي مع الولايات المتحدة.

ديبلوماسياً، أكد الأمين العام لـ»الناتو» ينس ستولتنبرغ أنه مقتنع بأنّ فرنسا ستبقى حليفاً «قويّاً ومهمّاً» بغض النظر عن حكومتها المقبلة، مشيراً إلى أن «التجربة تُثبت أن دول «الناتو» لطالما تمكّنت من البقاء متّحدة، بغض النظر عن الأحزاب المختلفة في السلطة والغالبيات المختلفة في البرلمانات».

إلى ذلك، وصل الفرنسي لويس أرنو الذي كان معتقلاً منذ أيلول 2022 في إيران إلى باريس، حيث صافح وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الذي كان في استقباله في مطار لوبورجيه قرب باريس. وقال سيجورنيه: «يُسعدني جدّاً أن أستقبل هنا أحد رهائننا الذي كان معتقلاً بشكل تعسّفي في إيران»، مرحباً بـ»انتصار ديبلوماسي جميل لفرنسا».

وأكد مصدر ديبلوماسي لـ»فرانس برس» الأربعاء أن أرنو غادر سجن إيفين فجر ذاك اليوم واستقلّ طائرة إلى سلطنة عُمان بعدما فحصه طبيب، مشيراً إلى أن إطلاق سراحه هو «نتيجة عمل قامت به السلطات الفرنسية مدّة أشهر مع السلطات الإيرانية، بما في ذلك اتصالات أجراها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه مع نظيره» الراحل حسين أمير عبداللهيان.

وما زال 3 فرنسيين وراء القضبان في إيران، هم المدرّسة سيسيل كولر وشريكها جاك باري اللذان أوقفا في أيار 2022، ورجل معروف فقط باسمه الأول «أوليفييه».