رمال جوني -

أمّ علي "سيدة المونة القروية" بلا مُنازِع

2 أيلول 2020

02 : 00

أمّ علي تقطف الملوخية

بات من الصعب مواجهة الأزمة بلا فعل، فالأزمة أعادت الناس الى الجذور، وسهّلت يوميات الحجر الطويلة بسبب "كورونا" في انشغال رباّت المنازل بإعداد الكشك البلدي والزعتر والشراب البلدي وزراعة الكثير من الخضار وتجفيفها لمواجهة غلائها بعد انقضاء الموسم، من الحامض الى البندورة والخيار وغيرها، التي تحوّلت بورصة يومية لا تقل شأناً عن بورصة الدولار.

تُمارس الحاجة أمّ علي عملها في إعداد المونة منذ زمن طويل، أدركت جيداً أنها ستكون الداعم لها في زمن الفقر، وأيقنت أنّ زمن المعلّبات الى زوال، ولا غِنى عن مونة الأرض البلدية. إنكبّت لسنوات طويلة على تطوير صناعتها للمونة، باتت "أمّ الصبي" لا تترك صنفاً من دون إعداده حتى أُطلق عليها "سيدة المونة القروية" بلا منازع. فهي ورثت هذا "الكار" عن أمّها وعلّمته الى بناتها ليكون سندهم في مواجهة الأزمة المعيشية. لا تتوانى أمّ علي عن القول: "المعلّبات غير صحّية، ناهيك عن أنّ أسعارها تضاعفت بشكل كبير، على عكس المونة التي حافظت على سعرها، ولم تتأثّر كثيراً بتقلّبات الدولار". تُضفي ميزة خاصة على مونتها، وتُعدّها بحُبّ "ما يعطيها مذاقاً مختلفاً"على حدّ قولها. موسم المونة ينطلق عندها مع بداية الصيف ويستمرّ حتى نهايته، تُعدّ خلاله القمح الذي يتحوّل برغلاً، والكشك، الزعتر، السماق، الملوخية، المقطّرات على أنواعها إضافة الى ربّ البندورة والرمّان. بحسبها ،"لا أترك صنفاً إلّا وأعدّه، قبل سنوات خَفتَ نجم المونة، وبات الكلّ يفضّل الجاهز، على عكس هذه الايام، باتت الأولوية لها، ناهيك عن عودة كثيرات من ربّات المنازل لإعدادها توخّياً للأسوأ". بين إعداد الكشك البلدي، والشراب المُعدّ من البندورة البلدية الى صناعة المخلّلات والمربّيات والملوخية والبرغل وتطول اللائحة، تُمضي الحاجة السبعينية دون كلل أو ملل، رسمت خريطة طريق إقتصادية لها ولعائلاتها التي تتشارك معها في عمله، فالمونة برأيها " كنز كبير"، تعتبرها "السند الإقتصادي لكلّ عائلة"، وبنظرها، "تحويل الزراعة الى صناعة في وقت يخسر لبنان كلّ مقوّماته الإقتصادية، إنّما يوازي بناء مجتمع مُنتج". بإعتقادها، "بتنا أحوج ما يكون الى تطوير الصناعة الزراعية لأنهّا الضمانة الإقتصادية وصمّام الأمان لكلّ عائلة وسط سيطرة شبح الفقر والجوع والغلاء الفاحش الذي أصاب كلّ السلع الإستهلاكية".

تنطلق الحاجة أمّ علي من منظور إقتصادي بحت، وهي التي تتلمذت داخل بيئة قروية أباً عن جدّ، عملت في مجال الزراعة مذ كانت في ريعان الشباب، حيث كانت الزراعة مصدر عمل كلّ العائلات، كزراعة الخضار أو الحمضيات او التبغ، وخبرت عن ظهر قلب أنّ الزراعة ذات إنتاجية عالية، وترتفع قيمتها الإقتصادية اذا دخلت في قلب الصناعة، وهذا ما دفعها في خضمّ الأزمة المعيشية لصناعة المونة. تتطلّب هذه الصناعة مجهوداً ووقتاً كبيرين، فتحويل القمح برغلاً يمرّ بمراحل عدّة، يستغرق عمل قرابة العشرة أيام، بين سلق القمح وتجفيفه تحت أشعّة الشمس، ثم تنقيته من الشوائب، وصولاً الى جرشه وتحويله سميداً ناعماً للكبّة والتبّولة، وخشناً للمجدّرة والعديد من أنواع البقلة التي عادت لتتربعّ على عرش موائد الأهالي بعد الإستنغاء عن اللحوم والدجاج بسبب أسعارها المرتفعة. ووِفق أمّ علي "انقطاع الناس عن شراء السلع الغذائية سيؤدّي الى خفض سعرها"، وتجزم بأنّ "المونة والصناعة الزراعية خلاصنا من كلّ الأزمات"، ولكن هناك من يرى أنّ الزراعة لا مكان لها في إعراب اقتصادنا، فهل تهزّ الأزمة عروشهم؟