كارين القسيس

الميدان إن حكى... مراسلون في مرمى الموت

يخاف من الكلمة، من الصورة ومن الصوت، والأهمّ من الحقيقة. هكذا هو الجيش الإسرائيلي الذي يغدر مرّة جديدة بالصحافيين كأنّه لم يكفِهِ استشهاد المصوّر عصام عبدالله والصحافية فرح عمر وغيرهما، فبكل دم بارد لاحقت الصواريخ الإسرائيليّة الصحافيين فجر أمس، لتظهر آلة القتل الإسرائيلية مرّة جديدة ألا حدود للجريمة حين تعجز العدالة عن فرض حدودها.



بعد أيّام على اتّخاذ مجموعة من الصحافيين من حاصبيا مقرّاً لإقامتهم بعد أن أبعدتهم إسرائيل عن منطقة مرجعيون، تعرّض هؤلاء لهجوم متعمّد ومباغت مع ساعات الفجر الأولى، ما أدّى إلى استشهاد ثلاثة زملاء، هم: المصوّر في قناة "الميادين" غسان نجار ومهندس البث محمد رضا، والمصور في قناة "المنار" وسام قاسم، وجرح كلّ من زكريا فاضل وحسن حطيط وعلي شعيب، في حين نجا الباقون بأعجوبة من الموت المحتّم.



الصحافيّة الاستقصائيّة يمنى فوّاز التي كانت من ضمن مجموعة المراسلين المستهدفين في حاصبيا، كشفت في حديث لـ"نداء الوطن" أنّ المستهدف ليس قناة "الميادين" فحسب، فالتوقيت خير دليل على أنّها رسالة تهديد مباشرة للمراسلين كافة". وأشارت إلى أنّه بعد العملية، لم يتلقّ الصحافيّون أيّ اتصال من قبل الأجهزة الأمنيّة، معتبرةً أنّ لا أحد يرعاهم ويحميهم في هذه المرحلة سوى الصليب الأحمر الذي كان أوّل الحاضرين إلى مكان الاستهداف.



وحول عودتها للتغطية ميدانيّاً من الأراضي الجنوبية، قالت فوّاز: "الآن لا يمكنني سوى التفكير لأنّ المرحلة حسّاسة جداً"، مشددةً على أنّ حاصبيا لم تُستهدف سابقاً بل كانت ملجأً آمناً للنازحين، أمّا اليوم فلا يوجد أيّ مكان آمن".



بمعزل عمّا إذا كان بعض اللّبنانيين ضدّ سياسة "حزب الله"، تتعامل شريحة كبيرة منهم باستخفافٍ مع الصحافيين، كأنّه يمكن الاستغناء عنهم بمجرّد أنّهم نقلوا الصورة. فمذ كنّا صغاراً طامحين ملهمين بصحافيي الغرب، كنّا نرى حياتهم، مسيرتهم، طموحهم، شهرتهم، وظيفتهم الرفيعة ومكانتهم الاجتماعية المرموقة. لكن في لبنان، يختلف الحال، فالصحافي إمّا يعدم مرّة واحدة مثل الشهيد عصام عبدالله، وإمّا عشرات المرّات كلّ يوم مثل مراسلة سكاي نيوز في بيروت دارين الحلوي التي سبق ونجت من أكثر من ضربة إسرائيلية، آخرها كانت يوم أمس.



منذ بداية الحرب والجيش الإسرائيلي يستهدف عمداً وبطريقة ممنهجة المراسلين، ولم يكن ضرب المقرّ الإعلامي في حاصبيّا شاذاً عن هذا المسار والسلوك، وكأنّهم يقولون لنا إمّا أن تتبنّوا الرواية الإسرائيلية أو سنمنعكم من البوح بالحقيقة. اليوم ومع تكرار هذه الأعمال لا يمكن أن نكون إلاّ مع الحق في وجه الباطل، فكيف لأحد أن يكون مع قتل المراسلين وحياديّاً مع هذا الظلم؟ لم نطلب القتال ولا المواجهة ولكن  ما ينتظره المواطن من المراسل "السلمي" هو كلمة الحق عندما يكون بأمسّ الحاجة لها وليس عندما يكون الكلام من باب الترف الفكري.



مراسلو الحدث والأخبار في لبنان ليسوا بخير، يَصحون على أحداث مرعبة وينامون على أصوات الغارات، ربّما الخلل منهم لأنّهم لا يبحثون عن أخبار الفنّ والموضة ولا زواج الفنّانين وطلاقهم، فهم يركضون وراء المتاعب وخلف السلاح وأصحابه. هؤلاء لا يرحمون أنفسهم بل يتركون خلفهم أحبّة ينتظرون عودتهم بسلام بعد مهمّات محفوفة بالمخاطر.