التفاؤل الحذر الذي أشاعه الموفد الأميركي آموس هوكستين قبل توجهه إلى تل أبيب في اتصال هاتفي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مساء أول من أمس بدّدته برودة ما صدر بعد اللقاء بين هوكستين والمسؤول في البيت الابيض بريت ماكغورك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أسقط الرهانات الأميركية في إمكانية التوصل إلى وقف اطلاق النار على الجبهة الاسرائيلية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي سيبني على نتائجها نتنياهو مخططاته وتوجهاته.
إذاً، منسوب التفاؤل بإمكانية وقف إطلاق النار تراجع بعد المواقف المتقدمة التي أدلى بها نتنياهو خلال لقائه هوكستين وماكغورك على الرغم من الإشارات الإيجابية التي يبعثها وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن بالحديث عن "تقدم جيد" في المفاوضات لوقف النار في لبنان وتعويل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن على وجود فرصة لتحقيق تحول في الوضع في جبهة الشمال وأمله بأن يكون ذلك عاجلاً وليس آجلاً.
فقد أشار نتنياهو، إلى أن "المهم في التسوية في لبنان إمكانية تحقيق الأمن والعمل ضد التسلح، وهناك ضغط لتحقيق تسوية قبل الأوان والواقع أثبت العكس ولا أحدد موعداً لنهاية الحرب لكنني أضع أهدافاً واضحة للانتصار فيها".
أضاف نتنياهو "أقدر بشدة الدعم الأميركي وأقول نعم عندما يكون ذلك ممكناً ولا عند الضرورة، ونحن نغير وجه الشرق الأوسط لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقاً".
نتنياهو المحنك سياسياً قطع الطريق على أي تسوية قد تفضي إلى وقف إطلاق النار قبل الانتخابات الاميركية، فهو لن يقدم هدية التسوية مجاناً إلى رئيس يغادر البيض الابيض بعد أيام. هو النهج ذاته الذي اتبعه نتنياهو في المفاوضات بشأن غزة، يتبعه اليوم في لبنان، يماطل ويناور ويبعث بإشارات وهمية ليحقق المزيد من المكاسب العسكرية.
وفي هذا السياق أشارت مصادر أميركية مطلعة على مسار المفاوضات لـ "نداء الوطن" إلى أن كل ما تسرب من مسودات للهدنة بين إسرائيل ولبنان غير دقيقة ولا يقارب حقيقة المسار السلبي للتفاوض وفي معظمها مستقاة من القرار الدولي 1701. تضيف المصادر " اسرائيل واضحة في مخططها وهو خلق منطقة عازلة بعمق 7 كلم لإبعاد خطر "حزب الله" عن سكان مستوطناتها الشمالية ومنع تسليحه وشل قدرته على إطلاق الصواريخ والسماح بعودة حوالى 60 ألف إلى الشمال وهو ما يرفضه "الحزب" وحتى الرئيس نبيه بري يتعهد بتطبيق القرار 1701 A La Carte في محاولة للتذاكي أو الإلتفاف على القرار الدولي، إذ يسمح بإعادة تمركز الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني وزيادة عديده لكنه سيحرص على إبقاء سلاح الحزب".
وفي هذا السياق لفتت المسودة التي نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" وقالت إنها مسودة اتفاق أميركي-إسرائيلي لوقف إطلاق النار في لبنان تسمح لإسرائيل بضرب لبنان خلال فترة انتقالية تبلغ شهرين. ووفق المسودة التي ترجح مصادر رفضها من قبل لبنان و"حزب الله"، تنسحب إسرائيل بعد أسبوع، ثم ينتشر الجيش اللبناني لتفكيك بنية "حزب الله".
أمام كل هذه المعطيات السلبية مقرونة بتصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اعتبر فيه ان مهمة الجيش لم تنته بعد وآخر لوزير المالية بتسلئيل سموتريش أشار من خلاله إلى خوض أطول وأغلى حرب في تاريخ إسرائيل، من الطبيعي ألّا يعود الموفد الأميركي إلى بيروت، لقد عاد أدراجه خالي الوفاض ولو كان حصل على إشارة إيجابية واحدة لكان حدد موعداً للتوجه إلى لبنان ووضع الرئيسين بري وميقاتي في اجواء زيارته إلى تل أبيب.
وفيما المساعي الدبلوماسية تصطدم بمناورات نتنياهو من جهة وإصرار "حزب الله" على مواصلة الحرب وإسناد غزة، يبقى الميدان في لبنان بمثابة الخاصرة الرخوة التي تتحكم فيه المسيرات الاسرائيلية على مدار الساعة والغارات المتواصلة والإنذارات والإخلاءات فضلاً عن استعداد الجيش الإسرائيلي لتوسيع العمليات البرية في لبنان خصوصاً ان المفاوضات قد تستغرق وقتاً بحسب ما أعلنت القناة 12 الإسرائيلية.
وفي هذا السياق أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن "التهديدات التي يطلقها الجيش الاسرائيلي ضد المدنيين اللبنانيين بإخلاء مدن بأكملها والنزوح عن مناطقهم ومنازلهم جريمة حرب إضافية تضاف إلى سلسلة الجرائم التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي قتلاً وتدميراً وتخريباً". وقد أبلغ ميقاتي هذا الموقف إلى الهيئات الديبلوماسية الفاعلة طالباً تكثيف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وهذا النهج المرفوض بكل المعايير الدولية والانسانية".
وعلى خط التعيينات داخل "حزب الله" وبعد تعيين أمينه العام الشيخ نعيم قاسم لفتت مصادر "العربية" إلى أنّ "حزب الله" عيّن رئيساً لوحدة الارتباط في الحزب خلفاً لوفيق صفا الذي استهدف في 10 تشرين الأوّل. وأشارت إلى أنّ "الحزب" لم يعلن الإسم لأسباب أمنية".
كل هذه المصائب والويلات والتفرد بقرارات الدولة تعود إلى عجز السلطة عن انتخاب رئيس للجمهورية حيث بلغ الفراغ في سدة الرئاسة عامه الثاني. هذا الفراغ الكارثي يعكس عمق الأزمات وحالة من الجمود السياسي والشلل الحكومي ويفضح النوايا الخبيثة لبعض الأفرقاء الذين يحاولون وعلى مدار سنتين عرقلة الانتخابات الرئاسية لفرض مرشحهم بالدرجة الأولى واستمرارهم في التفرد بالقرارات المصيرية للبلد ورهنه لأجندات خارجية تسببت بدمار البلد وتشريد أهله ومضاعفة مأساته الاقتصادية.