شادي معلوف

شحرور: طرح الأسئلة حقٌّ لا يُقابَل بالتخوين

حين يصبح "جمهور الكَنَبات" معياراً للإعلام

لم يخيّب الصحافيون والإعلاميون هذه المرّة أيضاً ظنّ متابعيهم، وها هم يُواصلون بشجاعة كاملة تغطياتهم الميدانيّة للحرب الإسرائيليّة المستمرّة على لبنان، على الرغم من إصابة بعضهم وسقوط شهداء من بينهم. فكيف يمكن قراءة المشهد الإعلامي بالشكل والمضمون؟



تتطلّب التغطية الصحافيّة الميدانيّة العديد من المقوّمات لتستحق صفة النجاح: من شخصيّة المراسل المناسبة لمثل هذا العمل، إلى التدريبات المسبَقة على أنواع التغطيات، فالخبرة التي تتحقّق بالممارسة والتجارب العمليّة على الأرض. وتغطية الحروب والأحداث الأمنيّة هي "الامتحان" الأبرز للمراسل الميداني خصوصاً في بلد على "صفيح ساخن" كلبنان. 


وفي هذا الإطار، يسجّل المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير جاد شحرور عبر "نداء الوطن" تقصير بعض المؤسسات الإعلاميّة لناحية عدم تحصين المراسلين بمتطلّبات التغطية في مناطق النزاع، كإخضاعهم المسبق لورش تدريبية، وغياب التأمين الصحي المناسب لهذه الظروف، وكل ما يتعلّق ببدلات العمل والرواتب والحقوق. كما يلفت إلى أنّ الصحافيين المستقلّين المتعاملين مع مؤسسات إعلامية محليّة أو خارجيّة، لا تحميهم أي نقابة.


صراعات وتخوين


أما لجهة المحتوى الإعلامي، فيلاحظ شحرور أنّ المتابع للإعلام الكلاسيكي يتلمّس من خلال أدائه، الانقسام العمودي السياسي في البلد. يظهر ذلك من خلال الصراع على استخدام المصطلحات وتخوين جهة لبنانية لأخرى وبالعكس. وهذا الانقسام ينتقل إلى غرف الأخبار ويتظهّر في المقالات والتقارير، وقد يبلغ الأمر أحياناً حدّ "المواجهات" بين الصحافيين عبر مواقع التواصل. أمر ينبغي التنبّه إليه لأنه يؤشّر إلى وجود مشكلة كبيرة، بحسب المسؤول الإعلامي في SKeyes.


في مجال آخر، لم يشفع كل الجهد الذي قام به ولا يزال، صحافيّو لبنان والمؤسسات الإعلاميّة، لدى بعض "جمهور الكَنَبات" الذي ما فتئ، منذ توسُّع العدوان الاسرائيلي على لبنان قبل نحو شهر ونيّف، يرمي بعض الجسم الإعلامي بالتهديد والوعيد والتخوين، على خلفيّة تغطية خبر او إبداء رأي أو استخدام صيغة أو تعبير خَبَريّ لا يتوافق ووجهة النظر السياسيّة لهذا الجمهور. وكأنّ المطلوب، في زمن الحرب كما في زمن السلم، ترسيخ الرأي الواحد في البلد، والانقياد الاعمى خلف "المبشّرين" به، الذين في الأساس لم يستشيروا أحداً في كثير من "المغامرات" التي أدّت بالوطن وناسه إلى ما صاروا فيه اليوم.


حملات "يُقال" و "لا يُقال"


والمؤسف أنّ تلك الحملات لا تقتصر على "جمهور الكَنَبات"، بل تتعدّاه إلى وسائل إعلاميّة وإعلاميين، شاركوا، بل أحياناً أطلقوا تلك الهجمات في اتجاه زملاء ومؤسسات زميلة لهم، بينها "نداء الوطن" مستبقين عودتها إلى الصدور، واضعين لهم "دفتر شروط" وجدولاً لِما "يقال" وما "لا يقال"، لكن لا في الصّرف والنحو، بل في السياسة وفي التعبير عن الموقف والرأي.


و"استسهال التخوين" ظاهرة لفت إليها الصحافي جاد شحرور، قبل أن يؤكّد أنّ العداء لإسرائيل أمر بات متّفقاً عليه ومحسوماً بالنسبة لجميع اللبنانيين، سواء قالت قناة تلفزيونيّة "مقتل" ولم تقل "استشهاد"، أو استخدمت تعبير "ارتقاء" أو "ضحايا"، أو إذا قالت "العدو الإسرائيلي" أو "الجيش الإسرائيلي". وتابع شحرور: "كأنما بات لزاماً على الصحافي إثبات وطنيّته كلّما كتب مقالاً، وهذا في حدّ ذاته أمر غير صحي. إذ علينا الانتهاء من توزيع الشهادات على الإعلام، ومن القذف المتبادل عبر وسائل الاعلام، والذي ينتقل إلى النسيج اللبناني فيسبّب نوعاً من الاقتتال الذي لا يزال كلاميّاً حتى الآن. وهذا أمر أعتقدُ أنّ الإعلام الذي يُخوِّن الآخر مسؤول عنه بشكل أو بآخر".


حقد قديم


يعتبر شحرور مناقشة مسألة الحرب حقّاً مصاناً، وينبغي أن يشمل هذا النقاش أكثر من زاوية ورأي، بعيداً من التخوين. لكنّه يرى أنّ الحقد بين اللبنانيين الذي يعود إلى زمن الحرب الأهلية، والاغتيالات السياسيّة، والحكومات التي تسبّبت بأزمة اقتصادية وسياسية وانقسام عمودي في البلد، جعلت الشعب بعيداً عن مفهوم المواطنة ومتمسّكاً بكونه مجموعات ضدّ بعضها البعض. وهنا، يضيف شحرور، أنّ الإعلام يغذّي هذا الواقع، ربّما من غير قصد، باستضافة محلّلين سياسيين من جهات سياسية مختلفة يصبّون الزيت على النار، الأمر الذي يساهم في الاقتتال الكلامي بين اللبنانيين.


ويذهب المسؤول الإعلامي في SKeyes أبعد من ذلك حين يؤكد حقّ أيّ كان في السؤال مثلاً عن سكن قيادات عسكريّة بين المواطنين، من دون أن يتعرّض طارح السؤال للتخوين. ومن حقّ السائل تلقّي الإجابة بكل بساطة. أمّا عدم السماح للآخر بطرح الأسئلة وتخوينه إذا فعل، كما حصل مع قناة MTV أو سواها، فهذا أمر خطير ولا ينبغي أن يكون أو أن يُشجَّع عليه.


تضامُن مع المبدأ


شحرور في حديثه إلى "نداء الوطن" يوضح أنّ مؤسسة سمير قصير، بما هي مؤسسة حقوقيّة، عندما تدافع عن أي واقعة حدثت مع صحافي أو صحافية إنما هي تتضامن "مع المبدأ لا المحتوى. فعلى موقع SKeyes ستجد أننا نوثّق خبر رفع دعوى ضدّ جريدة "الأخبار" أو اعتداء على صحافي في قناة "الميادين" مثلاً، تماماً كما نفعل إذا حصل الأمر نفسه مع قناة LBCI أو MTV أو الجديد أو غيرها. إذاً نحن نتضامن مع حريّة التعبير وإبداء الرأي ضمن المعايير المهنية والأخلاقية لمهنة الإعلام".


أمّا خطاب الكراهيّة الذي يتعرّض له بعض أصحاب الرأي أو الصحافيين بسبب موقف أو رأي، فتوثّقه المؤسسة كانتهاك بصرف النظر عن رأيها بالمضمون. وهنا يميّز شحرور بين صاحب الرأي، ومن يستدعي بكلامه خطاب الكراهية. ويشرح أنّ "من ينشر خطاب كراهية ويتلقى في المقابل خطاب كراهية، لن ندافع عنه، لأنه لم يبدِ رأيه مستخدماً أدبيات الكتابة أو المحتوى الإعلامي المتعارف عليها. فإذا كان مثلاً قد دعا في كلامه للقتل أو لإقصاء الآخر أو هاجمه بعنف، هذا النموذج لا يمكنني الدفاع عنه، ليس لأنني لا أريد ذلك، إنما لكونه اخترق مبدأ الامتناع عن إطلاق خطاب الكراهية الذي نعتبره كمؤسسة حقوقيّة انتهاكاً".


في الخلاصة، يتبدّى أن المشهد الإعلامي اللبناني في هذه الحرب لا يقلّ خطورة في تداعياته عن الحرب نفسها. وإذا كان روّاد مواقع ومنصّات التواصل متفلّتين في أحيان كثيرة من أي مسؤوليّة ومنطق عند التعبير عن آرائهم، فالمسؤوليّة أكبر على الصحافيين والمؤسسات الإعلاميّة المحترفة لعدم الانزلاق إلى ما يؤجّج النيران المغطّاة برماد أحداث الماضي والحاضر، طمعاً ببعض شهرة ومشاهدات على أنقاض ما بقي من الوطن.


 

ماذا عن الوزارة والنقابات؟

لولا مبادرة مؤسسة سمير قصير مع منظّمة "مراسلون بلا حدود"، لتأمين حقائب الطوارئ الطبية والسترات والخوذ الواقية من الرصاص، للمراسلين، لعمل كثيرون منهم من دونها، يقول جاد شحرور. ويشير إلى أنّ الطلب على تلك التجهيزات كبير وفق لائحة انتظار. لذا يجري التنسيق مع الصحافيين لتحديد مواعيد مهامهم الصحافية وتزويدهم بها مداورةً بالإعارة المجانيّة.



وعن تفاعل نقابَتيْ الصحافة والمحررين والمجلس الوطني للإعلام مع المستجدّات، يلفت شحرور إلى أنّ تلك المؤسسات "مهترئة" ومسيّسة، ويقول إنه بهذا الكلام يوصّف واقعاً ولا يشنّ هجوماً، مستدركاً أنه يُحسب لنقابة المحرّرين إصدارها من حين إلى آخر بيانات متابعة للتطوّرات الإعلاميّة. لكن، برأيه، كان حريّاً بها المبادرة مع وزارة الإعلام الى تدريب وتجهيز الصحافيين بما يحتاجونه، والدفاع عن حقوقهم المالية والاقتصادية، لا أن يُترك الأمر للمؤسسات الحقوقيّة. ويسأل: "ماذا لو لم تكن تلك المؤسسات الحقوقيّة موجودة في لبنان؟".



وعن وزير الإعلام اعتبر شحرور أنه "في أحيان كثيرة إلى جانبنا ويقوم بما بوسعه خصوصاً في تسهيل ما يتعلّق باستيراد تجهيزات الوقاية والأمان للصحافيين الميدانيين".