ريتا ابراهيم فريد

انفجار المرفأ ترك دماراً هائلاً في المباني والنفوس

كيف يمكن تخطّي الصدمات المتتالية؟

5 أيلول 2020

02 : 00

ظنّ اللبنانيون لوهلة أنّ المآسي التي تلاحقهم في الفترة الأخيرة هي الأسوأ. فالأزمة الاقتصادية الخانقة التي يرزحون تحت ثقلها، ازدادت بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء الهستيري لأسعار السلع، وأضيفت إليها الأزمة الصحية بفعل انتشار وباء الكورونا، الأمر الذي انعكس ثقلاً إضافياً على الشقّ الاقتصادي بعد أن أقفل البلد لفترة، من دون أن تؤمّن الدولة بديلاً للمتضرّرين. وتساءل البعض عمّا يمكن أن يحدث أكثر من كلّ ذلك، حتى الساعة السادسة مساءً من الرابع من آب، حين دوّى انفجار المرفأ، مخلّفاً وراءه ضحايا وجرحى ومفقودين ودماراً هائلاً في المباني والنفوس، وحالة من القلق والخوف من الصعب تخطيها بسهولة. فإلى أي مدى يستطيع الإنسان أن يحتمل هذا الكمّ من الصدمات النفسية المتتالية؟

ميا عطوي: عوامل عدة تحدّد طريقة التعامل مع الصدمات


تشير العضو المؤسّس في جمعيةEmbrace والمعالجة النفسية ميا عطوي الى أنّ الأشخاص الذين تضرّروا بشكل مباشر في انفجار بيروت، من الممكن أن يعانوا من أعراض اضطراب الصدمة. حيث سيمرّون بمراحل الحداد والخسارة التي تتضمّن في البداية نكران ما حصل، ثمّ مراحل الغضب، وبعدها مراحل الحزن، وصولاً الى مراحل التفاوض والبحث عن كيفية استعادة الخسارة. فالذي دمّر منزله قد يبدأ بالبحث عن طريقة لإعادة ترميمه، وهذا ما يُعتبر مرحلة تفاوض الشخص بينه وبين نفسه. وأوضحت: "من المؤكّد أن هؤلاء الأشخاص قد يشعرون بأعراض صدمات أخرى، أو ربما بفورات غضب أو بفترات من الحزن والبكاء. وقد يعانون من نوبات هلع وخوف شديد، ومن الممكن أن يتأثّر نمط نومهم أيضاً فقد يعانون من القلق. كما من الممكن أن تراودهم صور ذهنية عن الحادث، وبالتالي قد يلجأون الى الابتعاد وتجنّب الأماكن أو الطرقات التي تذكّرهم به. وأضافت أنّ قدرة الإنسان على التأقلم مع الصدمة تعتمد على كيفية إدارة المشاعر ما قبل الصدمة، وهُنا تحدّثت عن عوامل عدة تؤثر على طريقة تعامل الأفراد مع الصدمات، وما إذا كانوا سيتمكنون من تخطيها أم لا، من بينها كيفية تعاطي هؤلاء الأشخاص مع الضغوطات الحياتية في السابق، أي قبل وقوع هذا الحادث، وكيف يتحكّمون بمشاعرهم تجاهها وكيف يستشفّون المخاطر المحيطة بهم. إضافة الى نسبة الأمان التي يشعرون بها في محيطهم قبل الصدمة، ونسبة الدعم العائلي والمعنوي والمادي الذي يحصلون عليه، حتى الأمور الجينية لها تأثير أيضاً.





الخسارة الأكبر بفقدان شعور الأمان في الوطن

أما المواطنون العاديون الذين لم يطالهم الانفجار بشكل مباشر، لكنّهم تأذّوا نفسياً أمام كل المآسي التي يتعرّض لها الإنسان في هذا الوطن، بين مشاهد الدمار وصور الضحايا ومشاهد النعوش البيضاء، بحيث لا يزال البعض منهم حتى الساعة عاجزاً عن النوم، أو تنتابه نوبات بكاء مفاجئة. كما أنّ البعض أيضاً وصل به اليأس حدّ التفكير بالانتحار بعد أن فقد الأمل من كل شيء.

هؤلاء الأشخاص يعيشون في الوقت الراهن ما نسميه "حالة الصدمة الجماعية"، بحسب ما تشير عطوي، وهذه الصدمة لا تعني فقط الأشخاص الذين تعرّضوا مباشرة لها، علماً أنّ هؤلاء يعانون من أعراض أكثر قوة من الآخرين، لكن كلّ المواطنين اللبنانيين وبشكل خاص المقيمين في بيروت، يعيشون خسارة ويشعرون بفقدان جزء منهم وجزء من مدينتهم وجزء من ذكرياتهم.

وأضافت أنّ الخسارة الكبيرة هي في فقدان الشعور بالثقة وبالأمان في الوطن، وقالت: "الحادث الذي وقع ليس أمراً طبيعياً. إنما كان نتيجة إهمال يمكن أن يصنّف كجرم ارتكب في حق المواطنين، وهذا ما يجعلهم يشعرون بغضب كبير. وقد يشعر البعض برغبة في الإنتقام، أو قد يفقد البعض الأمل أكثر من أي وقت مضى".

أما عن كيفية المساعدة، أشارت ميا الى أنّ كلّ شخص يجب أن يعود الى تقنيات معينة خاصة به، وأن يتذكّر الأمور التي تساعده وتخفّف عنه. مثلاً قد يكون التطوّع أمراً مفيداً في هذه الفترة، وعلى الأشخاص أن يلجأوا إليه لأنّ من شأنه أن يلعب دوراً كبيراً في تحسين الوضع النفسي. كما أنّ البعض الآخر قد يشعر أنه بحاجة الى الإبتعاد والاختلاء بنفسه.



أهمية التعاون والدعم لتعزيز الطمأنينة



وفي السياق، أشارت عطوي الى أنّ التطوّع والعمل الجماعي هو أفضل طريقة لكي ندعم بعضنا البعض. وأوضحت: "لا شكّ في أنّ الجميع يشعر بالإحباط. لكن هناك الكثير من النشاطات الجامعة، وخلال العمل الجماعي يعبّر الناس عن مشاعرهم. حتى أن بعض المتطوّعين الذين بادروا الى مساعدة الناس شعروا بعد أيام بنوع من الإنهيار، أو ربما تعرّضوا الى نوبة بكاء بعد أن عاينوا كل تلك المآسي عن قرب. كل إنسان قد يشعر بلحظات ضعف وهذا أمر طبيعي، وخلال هذه اللحظات يجب أن نساند بعضنا البعض، وعلى كل من يشعر بالضعف أن يتحدّث الى الشخص الموجود الى جانبه، الأمر الذي سيعزّز الشعور بالطمأنينة".

وتابعت: "أما الأشخاص الذين لا يجدون من يتحدّثون اليه، فيمكنهم أن يتّصلوا على الرقم 1564، أي الخط الساخن بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية". وأضافت ميا أنه بالإضافة الى الجهود التي تقدّمها جمعية embrace من خلال المتطوّعين المتواجدين على الأرض، أطلقت الجمعية عيادة مجانية تضمّ إختصاصيين نفسيين لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من أعراض صعبة نتيجة الإنفجار، فيتمكنون من التحدث الى مختصّين إذا شعروا بصعوبة في التحدث الى أشخاص مقربين منهم.





"على الجميع أن يشعروا أن الدعم النفسي موجود"

منذ اليوم التالي لوقوع انفجار المرفأ، بادرت جمعية Embrace لمواكبة تداعيات هذه الكارثة وتقديم المساعدة من خلال نشاطات عدة. وفي هذا الإطار، أشار مروان وهو أحد المتطوّعين في الجمعية، الى أنّ الدعم النفسي في هذه المرحلة مهمّ جداً، سواء للأشخاص الذين تعرضوا مباشرة للأذى جراء الإنفجار أو لكافة الشعب اللبناني الذي تأثّر بهذا الحدث. وقال: "أعتقد أنّ الجميع في لبنان اليوم بات بحاجة الى دعم نفسي. وعلى كلّ مواطن لبناني أن يشعر أنّ الدعم النفسي موجود، وأنّ هناك أشخاصاً جاهزون لتقديم هذا الدعم".

وأضاف أنّ المتطوعين في جمعية Embrace متواجدون في الخيمة الرسمية للجمعية في منطقة مار مخايل، وهناك ثلاثة أشخاص تقريباً يتلقون الإتصالات لتقديم الدعم النفسي لكل من هو بحاجة. كما أنهم يستقبلون كل من يرغب في الحضور بشكل شخصي الى الخيمة كي يتواصل بشكل مباشر معهم للحصول على الدعم النفسي. ولفت مروان الى أنهم كمتطوّعين يلتحقون أيضاً بالجمعيات الأخرى المتواجدة على الأرض للمساعدة في أعمال التنظيف والترميم وزيارة العائلات المتضررة.

وعن إطلاق مبادرة الإختصاصيين النفسيين، أشار مروان الى أن هذه الخطوة تهدف الى تقديم المساعدة المحترفة بشكل مجاني لكلّ من يشعر أنه بحاجة الى التحدث الى معالج نفسي. وإذا شعر المتطوّعون أن وضع أحد الأشخاص يتطلب التواصل مع معالج نفسي متخصّص، يقومون بتزويده برقم الإختصاصيين الذين يتعاونون معهم للمتابعة. ولفت الى أنّ البعض راودتهم فكرة الإنتحار، وحتى لو غابت قليلاً خلال ساعات النهار حين يجدون أنفسهم محاطين بعدد كبير من المتطوّعين، لكن في ساعات المساء وبعد أن يصبحوا بمفردهم، تبدأ الأفكار السوداء في السيطرة على ذهنهم، وهنا أهمية الخط الساخن الموجود في الخدمة في كل الأوقات.

من جهة أخرى، كيف يستطيع المتطوّعون أن يطلبوا من الناس الصمود أمام كل هذه المآسي؟ يؤكّد مروان على أنّ هذا الأمر صعب للغاية، ثم يستطرد: "لكن إذا فقدنا الأمل نكون قد فقدنا حكماً كلّ شيء. ووفقاً لما شاهدته على أرض الواقع، كل شخص من المتضررين يستطيع أن يتذكر أياماً أفضل عاشها سابقاً، الأمر الذي قد يساعده على تخطي الأزمة. وعلى سبيل المثال، فإنّ شارع مار مخايل كان يعجّ بالحياة والفرح، لكن اليوم اختلف الوضع. لذلك فإنّ العودة الى الذكريات الجميلة المرتبطة بالمكان نفسه تعتبر إحدى أهمّ التقنيات للمساعدة النفسية".



MISS 3