شربل داغر

أي دولة مدنية مع هذه الطغمة الحاكمة!؟

7 أيلول 2020

02 : 00

لو عاد القارئ الى الجذر اللغوي (م د ن) لوجد، في اشتقاقاته وحمولاته واستعمالاته، غير ما يدور عليه الكلام السياسي اللبناني حالياً في جلبة كبيرة.

فهذا الجذر حمل، في تاريخه، ما يربطه بالمدينة، والتمدن، والمدنية وغيرها (في التاريخ المتأخر).

إلا أن الكلام حَمّال أوجه، كما نعرف. وهو لا يفيد تماماً ما يقوله المستعمِل اللغوي، ولا سيما إذا كان سياسياً من لبنان.

يعني اللفظ، في أصله الحديث الفرنسي، والمستقى منه عربياً منذ القرن التاسع عشر، ما يفيد معنيين متتاليين: التمدن الحضاري، ونزع الدين عن الدولة.

يدور الكلام في لبنان، منذ ما قبل زيارتَي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على "الدولة المدنية"، وبلغ هذا الكلام ما يشبه الموقف الرسمي إذ تبناه رئيس الجمهورية نفسه في خطاب رسمي.

اما البطريرك الماروني بشارة الراعي فلا يجد حاجة لهذه المدنية ما دام الدستور اللبناني لا يعيّن ديناً للدولة، مثلما هي الحال في البلدان العربية المختلفة.

اما الكثير من الخطب والدعاوى حول "المدنية" فيتأتى من رجال دين، مثل المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، أو من رئيس حركة "أمل"...

هذا ما يرسم شكوكاً كبيرة حول المعاني المطلوبة من المدنية هذه.

فوراء هذا اللفظ الجذاب، يكمن تحايلٌ مكشوف، يُراد منه الغلبة الطائفية ليس إلا، تحت ستار إلغاء الطائفية السياسية.

ودعاة هذه الدعوة - لو صدقت النوايا - لا يقومون باتخاذ مواقف وتفاسير بما يعزز قيام الدولة المدنية فعلاً.

كيف تكون الدولة مدنية حقاً، والأحزاب الداعية إليها مذهبية الانتماء في أحزابها وحركاتها السياسية؟ كيف تكون هذه الدولة مدنية حقاً، والداعون إليها دعاة "جمهورية إسلامية" عابرة للكيان اللبناني؟

كيف تكون الدولة مدنية حقاً، فيما لا يُقر فقهاء (ما عدا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين) بإمكان ان يكون رئيس البلاد غير مسلم؟

كيف تكون الدولة مدنية حقاً، وهم لا يقرون إلا بالقيد المذهبي في الميلاد والزواج والإرث؟

اي دولة مدنية مع هذه الطغمة الحاكمة، التي تُفسد كل شيء تلمسه!؟

للأسف، هذه الدعوة النبيلة تتحول إلى أداة وموضوع صراع إضافي حول هذا الكيان، وحول هويته، في ذكرى مئويته الاولى!!!


MISS 3