استطاعت "شاحنة" الرئيس المُنتخب دونالد ترامب ذات "الأحصنة المُرعبة" شقّ طريقها بسهولة نحو البيت الأبيض في مواجهة "الحافلة الكهربائية" لنائبة الرئيس المهزومة كامالا هاريس. وقد أدّت معطيات متعدّدة أدواراً أساسيّة في ترجيح كفّة ترامب على هاريس. لعلّ أبرز عامل حسم السباق لمصلحة الرئيس السابق، يكمن في تصويت الناخبين الأميركيين لمحاسبة عهد بايدن - هاريس وطيّ صفحته نهائيّاً كعقاب له على الحال الاقتصادية الصعبة بفِعل التضخّم وارتفاع أسعار المنازل، فضلاً عن ملفَّي الهجرة غير الشرعية والأمن المجتمعي اللذَين فشلت الإدارة الحالية في معالجة عمق معضلتهما المتفاقمة.
تمكّن ترامب من إقناع شرائح واسعة من المجتمع، وهذه المرّة أكثر من عامَي 2016 و2020، بأنّه المرشّح الأنسب لخفض فاتورة البقالة والمحروقات، مروراً بجعل اقتناء مَسكن أمراً متاحاً للشباب والعمّال، وصولاً إلى ضبط الحدود الجنوبية مع المكسيك ووقف تدفّق المهاجرين و"الفينتانيل" وأخواته، وترحيل المُقيمين غير الشرعيين واعتماد مقاربة حازمة لفرض الأمن والنظام في كلّ أنحاء البلاد، إضافةً إلى وضع حدّ للأجندة اليسارية الراديكالية المنافية للمنطق والحقيقة والعِلم، والتي غدت مصدر قلق بالغ لعائلات الطبقة الوسطى.
في المقابل، فشِل رهان هاريس على تخويف الأميركيين من ترامب وتهديده المفترض للديمقراطية، بينما كان المطلوب منها شرح برنامجها ورؤيتها للمستقبل وإقناع الناخبين بها كمرشّحة رئاسية، لكن يبدو أن شخصيّتها غير الرصينة و"أثقال العهد" أغرقا "سفينة حملتها" إلى "القاع الشعبي". ولم ينسَ الناخبون أن هاريس كذبت مراراً في شأن صحّة بايدن البدنية والذهنية وقدرته على الترشّح من جديد. أضف إلى ذلك أنّها لم تحصل على ترشيح "حزب الحمار" من خلال انتخابات تمهيدية طبيعية، بل بطريقة اعتُبرت غير ديمقراطية لشخصيّة ليست محبوبة أخفقت إخفاقاً ذريعاً في نيل بطاقة ترشيح حزبها عام 2020.
صحيح أن تعثّرات بايدن وزلّاته المتكرّرة وإصراره على التجديد لولاية ثانية وتأخّره في الانسحاب من "المنازلة الرئاسية"، أضعف موقع حزبه على الساحة الوطنية، بيد أن تبنّيه السريع لنائبته زاد الطين بلّة، على الرغم من كلّ "الحماس المصطنع" من "الماكينة الإعلامية الزرقاء" وحشود النجوم والفنّانين، الذي لم ينجح فعليّاً سوى في جمع تبرّعات ضخمة من المال لم تكن كافية لإنقاذ هاريس من هزيمة مذلّة ستتناقلها الأجيال المقبلة.
لا يُمكن الاستهانة بالمساندة التي تلقّاها ترامب من أغنى رجل في العالم إيلون ماسك، الذي وضع "ثقله" في إنجاح حملة "حزب الفيل" ونزل إلى "الميادين المتأرجحة" شخصيّاً لتحقيق هذه الغاية، في وقت نال فيه "ساحر المحافظين" تأييد مجموعة من المؤثّرين ومقدّمي "بودكاست" الذين يُتابعهم ملايين الشباب من "جيل زد"، ما ساعد في توسيع قاعدة ترامب في أوساط هذه الفئة التي حاول الديمقراطيون الهيمنة عليها.
جندريّاً، رسّخ ترامب تفوّقه لدى الرجال وحسّن أرقامه نسبيّاً لدى "الجنس اللطيف"، ما قطع الطريق أمام هاريس لقلب المعادلة بالصوت النسائي. مناطقيّاً، كانت لافتة الأرقام التي "غنمها" ترامب في المدن لتُدعّم حضوره الوازن في الضواحي والصلب في الأرياف. أمّا إتنيّاً، فقد حقّق الرئيس الجمهوري السابق مكاسب مهمّة لدى اللاتينيين وتقدّماً ملحوظاً لدى السود مقارنةً مع ما أنجزه عام 2020، فيما حافظ على حصّته الهائلة لدى البيض.
مذهبيّاً، جدّد الإنجيليّون البيض ثقتهم بترامب بنسب عالية جدّاً تخطّت الـ80 في المئة، وكذلك فعل باقي البروتستانت والكاثوليك البيض والبروتستانت اللاتينيين، لكن بنسب أقلّ، في حين انقسم الكاثوليك اللاتينيون. وبالتالي، ساهم الصوت المسيحي المحافظ بقوّة مرّة أخرى في إيصال مرشّح رئاسي إلى البيت الأبيض، بهدف تحصين القيم المسيحية التي يلمس تعرّضها لـ "هجمات شنيعة" في خضمّ "حرب ثقافية" متّقدة.
رفضت الجاليات المسلمة مؤازرة الحزب الديمقراطي على وقع حروب الشرق الأوسط، فأعطت أكثر من نصف أصواتها لمرشّحة حزب "الخضر" جيل ستاين، ليحلّ بعدها كلّ من ترامب وهاريس توالياً، في حين رَفَدَ اليهود أصواتهم كما جرت العادة للمرشّح الليبرالي الأقوى، فحصلت هاريس على غالبيّتهم الساحقة بنحو 78 في المئة.
"اقتحم" ترامب ولايات ومقاطعات ومناطق كانت تُعتبر حصوناً ديمقراطية منيعة، الأمر الذي مكّنه من الفوز بالتصويت الشعبي وتغيير "الحسابات الانتخابية" التي قد تُعدّل خريطة الولايات الحاسمة مستقبلاً، إن أحسنت الإدارة الجمهورية المقبلة قيادة أميركا نحو غد أفضل من الأمس. في كلّ الأحوال، عودة ترامب "المضطهد إعلاميّاً" والمُدان جنائيّاً والناجي من محاولتَي عزل ومن مخطّطات ومحاولات لاغتياله، إلى قيادة "العالم الحرّ"، وجّهت "صفعة يمينية" مدوّية لـ "اليسار الليبرالي" وأدخلت الرئيس المُنتخب التاريخ من بابه العريض بكلّ المقاييس.