يمرّ الكيان اللبناني بأصعب مرحلة في تاريخه. البلد مهدّد والحرب لا ترحم والأغلبية الساحقة من المكوّن الشيعي فقدت منازلها وباتت مهجّرة. ورغم كلّ هذه المآسي هناك فريق ممثّل بـ "الثنائي الشيعي" يمعن في التعطيل والمقاطعة ويترك البلاد بلا رئيس للجمهورية.
إذا كان انتخاب رئيس وعودة الدولة مطلب كل لبناني، إلا أنّ الطائفة الشيعية هي بأمس الحاجة حالياً إلى مظلة الدولة بعد سقوط كل المظلات واكتشاف زيف ادعاءات "بيّاعي الأوهام" الذين أوهموا الشيعة بأنهم سيدخلون القدس وإذا وقعت الحرب كل شيء مؤمّن.
فقد حاول محور "الممانعة" استغلال دعوة رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع إلى إيقاف مسلسل التعطيل وإمكانية انتخاب رئيس بلا نواب "الثنائي الشيعي" ومن يدور في فلكه، والهدف التصويب ليس فقط على جعجع بل على كل من يرفض مسلسل التعطيل.
في الاحتكام إلى الدستور، إنه ينصّ على انتخاب رئيس بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية، وإذا اعتمدنا أكثرية الثلثين فهذا يعني وجود 86 نائباً، ولم يحدد الدستور طوائف النواب الحاضرين.
في مجلس النواب يبلغ عدد المقاعد الشيعية 27 مقعداً يسيطر عليها "الثنائي"، والمستغرب بحسب المراقبين أنّ هؤلاء النواب جميعاً وفي كل جلسة انتخاب يعمدون إلى الانسحاب فور انتهاء الدورة الأولى لتعطيل الدورة الثانية بالإشتراك مع حلفائهم.
وإذا كانت المقاطعة حقاً دستورياً، فانتخاب الرئيس حق دستوري أيضاً، وبما أنّ الدستور لا يُحدّد هوية النواب الذين ينتخبون الرئيس، بإمكان بقية النواب القيام بواجبهم الانتخابي مثلما يحقّ للبقية التعطيل حسب الخبراء الدستوريين.
هناك العديد من الكتل التي كانت تقاطع وعادت إلى الحضور على غرار تكتل "لبنان القوي"، وثمة كتل كانت تحضر ولا تنتخب أو تصوت بورقة بيضاء أو تضع أيّ اسم، ومعظم النواب من كل الطوائف تناوبوا على هذا الأمر، بينما الثابت الوحيد منذ عامين حتى اليوم هو استمرار نواب "الثنائي الشيعي" بالتعطيل.
وفي هذا السياق لا يمكن الكيل بمكيالين، فإذا كانت أي جلسة لا يشارك فيها نواب "الثنائي" غير ميثاقية، فإن الاستمرار بتعطيل الانتخاب هو قمة اللاميثاقية خصوصاً أن الأغلبية الساحقة من النواب المسيحيين صوّتت للمرشح الوزير السابق جهاد أزعور في جلسة 14 حزيران 2023، وعمد نواب "الثنائي" إلى ضرب الأكثرية المسيحية بعرض الحائط ونسف الميثاقية.
إذاً، لا يمكن لـ "الثنائي الشيعي" المحاضرة بالميثاقية، خصوصاً أن البلد ومنذ العام 1992 إلى 2005 حُكم بقوة الأمر الواقع السوري بلا المكوّن المسيحي، وثمة نواب مسيحيون فازوا بـ 40 صوتاً في العام 1992 ونُصّبوا ممثلين للمكوّن المسيحي. اليوم نواب "الثنائي الشيعي" يقاطعون بإرادتهم من دون ضغط أو ظرف يمنعهم من حضور الجلسات، وهنا هذا الخرق الدستوري هو خرق ميثاقي بامتياز.
وتمادي "الثنائي" في تعطيل الدستور فاق كل حد إذ رشَّح سليمان فرنجية للرئاسة بينما التزم المرشح بمقاطعة الجلسات. وهنا لا بد من التساؤل هل دعوة جعجع للانتخاب وفق الأطر الدستورية التي لا تفرض هوية النواب المقترعين تضرب الميثاقية أم أن التهديد مرة بالمثالثة ومرات بالديمقراطية العددية؟ وأين الميثاقية في حزب يريد بحسب عقيدته تحويل لبنان "جمهورية إسلامية"؟