بعدما كسر مقتل سليم عياش بغارة إسرائيلية في سوريا حاجز الرهبة عند السنة، وراحوا يعبّرون عن اغتباطهم بالقصاص العادل الذي نزل به، حتى ولو كان الفاعل الشيطان نفسه، انضمت دار الفتوى إلى "لائحة المباركين".
حسب التقاليد والأعراف التاريخية، تفضل دار الفتوى، كما سائر المؤسسات الدينية التقليدية في دول المنطقة، الابتعاد عن المواقف الحادة والجدلية، ودعم الشرعية وثقافة الدولة، حتى في حالة الخصام مع السلطة القائمة.
لم يخرج مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان عن هذا التقليد، رغم كل الضغوطات التي تعرض لها لاقتحام المشهد، والتخفيف من حال الفراغ الناشئ عند السنة عقب انسحاب الرئيس سعد الحريري، حيث أصرّ على تبني خطاب هادئ يركز على إعلاء الثوابت الوطنية والدينية التاريخية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.
بيد أن ضغط الشارع الإسلامي، وتحريض حركات الإسلام السياسي، فرضا على دار الفتوى تحديات صعبة، وفي طليعتها المواءمة في الموقف بين الثبات على الموقف السني التاريخي المتمثل في دعم القضية الفلسطينية، وبين عدم الانسياق إلى دعم حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين"، وأكثر منها دعم "حزب الله" وقوى الممانعة.
لذا لم يكن متوقعاً صدور موقف رسمي مباشر من دار الفتوى يبارك القصاص الذي نزل بحق قاتل رفيق الحريري. ومع ذلك، فقد صدر موقفان في يوم واحد، يفصل بينهما سويعات فقط، يعبران عن تموضع دار الفتوى في الاتجاه نفسه الذي سارت إليه الحاضنة السنية، نخباً وعامة.
الأول، البيان الصادر عن مفتي راشيا، الشيخ وفيق محمد حجازي، والذي وجه فيه نقداً لاذعاً لـ"حزب الله" ومحور الممانعة أكد فيه "فشل المنظومة التي كانت تتغنى بالدفاع عن القدس، وسقطت في الامتحان منذ اللحظة الأولى، بل قبلها"، وشدد على أن "أهم سلاح هو سلاح الدولة، وأهم ما فيه الوحدة الوطنية". وبمناسبة مقتل سليم عياش، استذكر المفتي حجازي في بيانه الرئيس رفيق الحريري الذي "نالته يد الغدر بالقتل لأنه أراد لبنان مزدهراً مستقلاً".
الثاني، تصريح وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، من على منبر دار الفتوى، عقب لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، رداً على سؤال حول ما إذا كانت العدالة قد تحققت بمقتل عياش، فأجاب: "هذا أقل الكلام. هناك كلام أقسى سنقوله لاحقاً في هذا الخصوص".