عيسى يحيى

من يرفع الأنقاض وينقذ الناس بعد اليوم؟

بعلبك يتيمة بعد استهداف مركز الدفاع المدني

انقلب المشهد في بعلبك ليل الخميس رأساً على عقب وتبدّلت الصورة التي اعتادها أهالي بعلبك عند كل غارة إسرائيلية، حيث كان شباب الدفاع المدني أول الواصلين بعد كلّ استهداف، يرفعون الأنقاض، وينتشلون الضحايا، يسابقون اللحظات علّ من ناجين يمكن إنقاذهم، ولا يوفّرون أيّ مهمّة في أداء دورهم الإنساني والبطولي الذي ستفتقده مدينة الشمس.



من كان المسعف والمنقذ، ركن تحت ركام المبنى في دورس بعد أن استهدفته غارةٌ إسرائيلية مجنونة. استهدافٌ كان من خارج التوقعات لمركز الدفاع المدني، الذي تلقى اتصالات بالإخلاء في الثلاثين من تشرين الأول، يوم قرر أفيخاي أدرعي أن بعلبك وعين بورضاي ودورس باتت تحت حكم القصف في أي وقت، وعلى سكانها أن يخلوها فوراً. يومها لم يتردد شباب الدفاع المدني بالتجوال داخل أحياء المدينة وإطلاق الصيحات عبر مكبّرات الصوت، طالبين من المواطنين الإخلاء. تكرّر الأمر نفسه بعد أيام، يوم حدّد أدرعي بعض الأماكن، منذراً بإخلائها في المناطق المحددة، أعاد أبطال الدفاع المدني الكرّة، وتلقى المركز اتصالاً بإخلائه. بقي عناصره ورئيسه يواظبون على العمل فيه، ظنّاً منهم أن العدو لا يستهدف المراكز التابعة للدولة والتي تقوم بعملها الإنساني. آلياتهم جاهزة للتحرّك عند كلّ غارة، والعناصر على أهبة الاستعداد، يتبادلون دواماتهم لأخذ قسطٍ من الرّاحة بعد أكثر من خمسين يوماً من العمل وعمليات الإنقاذ، كانت آخرها عصر الخميس، حيث توجهوا الى حيّ الشعب في بعلبك، بعد الغارة التي استهدفت مبنى مؤلفاً من ثلاث طبقات وأدت إلى سقوط أكثر من ثماني ضحايا وعدد من الجرحى.



قرابة الثامنة وأربعين دقيقة مساء الخميس، استهدفت غارة إسرائيلية بلدة دورس، مقابل تعاضد الجيش الذي يبعد عن مركز الدفاع المدني أمتاراً قليلة، وفيما اعتاد المسؤولون والصحافيون الاتصال برئيس مركز الدفاع المدني في بعلبك بلال رعد للاستفسار عن آخر المعطيات حول الأضرار والضحايا، كان خطه مقفلاً هذه المرّة، محاولات كثيرة باءت بالفشل، قبل أن تتضح الصورة، فالغارة شُنت على المركز مباشرةً، لحظات كانت كفيلة لتزرع الحزن والأسى في قلوب البعلبكيين وكل من عرف رعد وعناصر الدفاع المدني في المركز. أكثر من عشرين عنصراً كانوا ضمن الخدمة، شاءت العناية الإلهية أن ينجو بعضهم بسبب خروجهم من المركز لشراء الطعام بعد نهار طويل من العمل والغارات.



على عجل، سارع المواطنون وكل من يملك آلية لرفع الأنقاض بالتوجه إلى المكان، كون المعنيين بالأمر تحت الركام. ساعات من العمل رست الصورة بعدها على استشهاد خمسة عشر عنصراً بينهم رئيس المركز بلال رعد، وعدد من الجرحى، نقلوا إلى مستشفيات المنطقة. وفيما غطّى الركام المنطقة وقطع الطريق، وباتت آليات الدفاع المدني معطلة، أصبحت منطقة بعلبك برمّتها يتيمة، بعد خسارة من لم يبخلوا يوماً في حمل أرواحهم بين أكفّهم لأداء الواجب، وتأخرت الدولة في إنصافهم بعد سنواتٍ من المطالبات، ولم تمرّ أشهر على تثبيتهم، وكان من استشهد في مركز بعلبك من صفوفهم.