في عصر التكنولوجيا المتسارع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرّد منصات تواصل، تحوّلت إلى ساحات عامة للتعبير عن الآراء وتشكيل التوجّهات. ولكن، كما أنها تُقرّب المسافات بين المشاهير وجماهيرهم، فإنها تحمل في طياتها الجانب المظلم... التنمّر الإلكتروني، الذي بات يهدّد الصحة النفسية للكثير من نجوم الرياضة حول العالم.
أحدث الأمثلة الصارخة على هذه الظاهرة هو قرار نجم دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين، ليبرون جيمس، الابتعاد موقتاً عن وسائل التواصل الاجتماعي. جيمس، الذي يُعدّ أحد أعظم لاعبي كرة السلة في التاريخ ومن أكثر الرياضيين شهرة وتأثيراً عالمياً، يمتلك قاعدة جماهيرية تتجاوز 212 مليون متابع عبر "إنستغرام" و"إكس". رغم هذا الدعم الكبير، وجد نفسه ضحية للأجواء السلبية التي خيّمت على هذه المنصات.
جاء هذا القرار بعدما علّق ليبرون على منشور لـ"ريتش كلايمان"، وكيل أعمال النجم كيفن دورانت، الذي انتقد التغطية الإعلامية السلبية للرياضة، واصفاً إياها بأنها مليئة بالكراهية وغير مجدية. ليبرون اختتم تعليقه بعبارة صريحة: "بعد كل هذا... الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي. اعتنوا بأنفسكم". هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها لجيمس، لكنه في السابق كان يبتعد للتركيز على الأداء الرياضي، وليس كرد فعل مباشر على التنمّر أو النقد السلبي.
وسائل التواصل نعمة أم نقمة؟
بينما تمنح وسائل التواصل نجوم الرياضة منصة استثنائية للتفاعل مع جماهيرهم والترويج للعلامات التجارية، إلّا أنها أصبحت في الوقت ذاته مصيدة للتنمّر. النقد اللاذع والتعليقات المسيئة باتا جزءاً من التجربة اليومية لأي نجم رياضي.
ليبرون ليس الوحيد، اللاعبون في مختلف الرياضات يتعرّضون لهذه الظاهرة. على سبيل المثال، لاعب كرة القدم الإنكليزي ماركوس راشفورد واجه موجات من التنمّر العنصري عبر الإنترنت بعد خسارة إنكلترا في نهائي يورو 2020. كذلك، تعرّضت نعومي أوساكا، بطلة التنس اليابانية، لضغط نفسي هائل نتيجة الانتقادات المستمرة، ما دفعها إلى التوقف عن المشاركة في البطولات الكبرى لفترة لإعادة ترتيب أولوياتها.
التأثيرات النفسية للتنمّر الإلكتروني
التنمّر الرقميّ ليس مجرد كلمات عابرة، فهو سلاح يترك أثراً عميقاً في الصحة النفسية للاعبين. تشير دراسات حديثة إلى أن التعرّض المستمرّ للتنمّر الإلكتروني يزيد من خطر الإصابة بالقلق، والاكتئاب، والشعور بالعزلة. ومن المفارقات أن هؤلاء النجوم، الذين يظهرون أمام الجماهير بمظهر القوة والصلابة، غالباً ما يجدون أنفسهم في صراع داخلي مع ضعف الثقة بالنفس. الأمر لا يتوقف هنا، التنمّر يمكن أن يؤثر في الأداء المهني. لاعبون كُثر أكدوا أن التعليقات السلبية تُضعف تركيزهم، وتدفعهم أحياناً إلى الابتعاد عن الساحة الرياضية أو اتخاذ قرارات صادمة مثل الاعتزال المبكر.
قرار ليبرون جيمس الأخير يحمل رسالة واضحة حتى أكثر الرياضيين نجاحاً وشهرة لا يستطيعون تحمّل موجات التنمّر والكراهية التي تغمر وسائل التواصل الاجتماعي. إذا أردنا أن نحافظ على متعة الرياضة، يجب علينا كمجتمعات أن نتوقف عن استخدام هذه المنصات لنشر السلبية، وأن ندرك أن كلماتنا يمكن أن تكون سلاحاً مؤذياً، أو دعماً يُلهِم الأبطال لمواصلة العطاء.