وجّهت المحكمة الجنائية الدولية أمس "صفعة قانونية" مدوية على وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، فضلاً عن قائد "كتائب القسام" محمد الضيف الذي سبق أن أعلنت الدولة العبرية اغتياله بينما نفت "حماس" ذلك، من خلال إصدارها مذكرات اعتقال بحقهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية. وبالتالي، غدت أسماؤهم على "لائحة العار" للشخصيات المطلوبة للعدالة الدولية.
وأوضح القضاة أن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائيّاً عن جرائم تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار هجوم واسع وممنهج ضدّ السكان المدنيين في غزة. كما وجدت المحكمة أسباباً وجيهة للاعتقاد بأنّ الضيف مسؤول عن جرائم تتمثل في القتل والإبادة والمعاملة القاسية والتعذيب واحتجاز الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصية والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي.
قوبل القرار بغضب كبير في إسرائيل، حيث رفضه مكتب نتنياهو ووصفه بأنه "معادٍ للسامية"، مؤكداً أن بلاده لن "ترضخ للضغوط". وفي خطوة "وحدوية" نادرة، انضمّ معارضو نتنياهو الأساسيون إلى الحلفاء في حكومته في انتقاد "الجنائية الدولية"، واصفين القرار بـ "وصمة عار تاريخية" و"مكافأة للإرهاب".
وعلى الرغم من مذكرة الاعتقال بحق الضيف وهول الجرائم المرتبطة بها والتي ارتكبها عناصر الحركة، رحّبت "حماس" بالقرار ودعت "الجنائية الدولية" إلى "توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة" لجميع قادة إسرائيل، في حين اعتبرت السلطة الفلسطينية أن القرار "يُعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسّساته". وبعكس إسرائيل، فإنّ "الأراضي الفلسطينية" عضو في المحكمة.
وفيما تفاوتت ردود الفعل الدولية بين الدول التي طالبت بتطبيق مذكرات التوقيف وأبدت التزامها بذلك، وبين تلك التي تريد درس المذكرات قبل حسم موقفها في ما إذا كانت ستلتزم بتطبيقها أم لا، رفضت واشنطن بشكل قاطع القرار، مبدية قلقها الشديد "بسبب إسراع المدّعي العام بإصدار مذكّرات اعتقال وبسبب أخطاء العملية المثيرة للقلاقل التي أدّت إلى هذا القرار".
وكان لافتاً كلام السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، الحليف المقرّب من الرئيس المُنتخب دونالد ترامب، إذ رأى أن المحكمة "مزحة خطرة"، معتبراً أن الوقت قد حان ليتحرّك "الشيوخ" الأميركي ويُعاقب هذا "الكيان غير المسؤول"، بينما حضّ المدّعي العام لـ "الجنائية الدولية" كريم خان، الدول الأعضاء وغير الأعضاء في المحكمة، على التعاون في شأن مذكّرات الاعتقال.
من حيث المبدأ، تلتزم كلّ الدول الأعضاء في "الجنائية الدولية"، وعددها 124، بموجب النظام الأساسي للمحكمة باعتقال أي فرد صدرت بحقه مذكرة اعتقال وتسليمه، إذا وطأت قدماه أرض الدولة. لكن المحكمة لا تملك وسائل لتنفيذ مثل هذا الاعتقال، وتالياً فإنّ الاعتقال لا بدّ أن يُنفذ بواسطة دولة عضو أو دولة متعاونة، علماً أن المحكمة ليس لديها سوى وسائل دبلوماسية محدودة لإجبار أعضائها على تنفيذ القرارات إذا لم يكونوا يرغبون في ذلك.
وتسمح قواعد المحكمة لمجلس الأمن الدولي بتبني قرار من شأنه إيقاف أو تأجيل تحقيق أو ملاحقة قضائية لمدّة عام، مع إمكانية تجديد ذلك سنويّاً. وبعد صدور مذكرة اعتقال، يُمكن للبلد المعني أو الشخص الذي استهدفته المذكرة أن يطعن في اختصاص المحكمة أو في ما إذا كانت الدعوى تستحق القبول.
وقرار "الجنائية الدولية" قد يُعزز قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي تتهم إسرائيل فيها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حيث تنظر المحكمة إلى قرارات محاكم أخرى. ومن شأن القرار أيضاً أن يدعم الدعاوى القانونية التي تطالب بفرض حظر على الأسلحة في أماكن أخرى، حيث أن العديد من الدول لديها أحكام ضدّ بيع الأسلحة إلى دول قد تستخدمها بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي.