وليد شقير

بين التنازل لماكرون والتحفّظ الأميركي والعربي

11 أيلول 2020

02 : 00

ما من حدث طارئ إلا وله تأثيره على تأليف الحكومة التي يسعى الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب إلى إنجازها قبل الثلثاء المقبل، فكيف بالعقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس؟

تحت غبار الحريق المتجدد في مرفأ بيروت الذي يحيي مظاهر المأساة التي تعيشها العاصمة منذ الانفجار الزلزالي في 4 آب، يتعلق اللبنانيون بالمبادرة الفرنسية التي اكتسبت زخماً منذ أن أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون قطار حكومة المستقلين برئاسة السفير أديب، لكن الدخان الأسود يحجب عنهم الرؤية، ويغطي على انعكاسات العقوبات الأميركية على تأليفها. وربما يتيح هذا الدخان نجاح مداولات تجرى وراء الستار، وتسرّع ولادتها كي لا يبقى البلد مكشوفاً بالكامل وكي لا يفقد الفريق الذي يتعرض للضغط الأميركي الغطاء الشرعي لدوره في السلطة. سبق لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أن أبلغ من التقاهم في 2 و3 أيلول في بيروت، أن عقوبات ستصدر عن وزارة الخزانة الأميركية هذا الأسبوع في حق حلفاء لـ"حزب الله" وتعددت تفسيرات هؤلاء حول المقصود من الحلفاء، واعتقد بعضهم أنها تستهدف الحليف الرئيسي للحزب أي "التيار الوطني الحر". إلا أنها أصابت الفريق الذي يفترض أن تكون المبادرة الفرنسية قد استندت إلى تجاوبه حيال طروحاتها، أي "الحزب" وحلفاءه الأقربين في هذه الظروف، حركة "أمل" والرئيس نبيه بري، وتيار "المردة" والنائب السابق سليمان فرنجية. وعلى الأقل فإن بعض محدثي شينكر أملوا بأن تطال العقوبات محيط الرئيس ميشال عون، لاعتقاد هذا البعض أنه يعرقل وضع البلد على طريق التعافي بفعل أحلام السيطرة على القرار، ومواصلته السياسات السابقة كأن شيئاً لم يكن، منذ بدء الانحدار نحو الهاوية.

على رغم قول شينكر إن واشنطن تنسق مع باريس في كل شيء وأنها أبلغتها بعقوبات آتية، وتأكيده أن هناك توافقاً بينهما على الشق الإصلاحي، لا يمكن فهم الدفعة الأخيرة من العقوبات، بمعزل عن مساحة الاختلاف بين اندفاعة ماكرون وبين تحفظات إدارة دونالد ترامب على شرعنة "حزب الله"، حين قال الأول إن الشعب انتخب "الحزب" وهو جزء من المسرح السياسي. وعلى رغم اعتماد شينكر اللباقة واللياقة الديبلوماسيتين في إشارته إلى الاختلاف على الشق المتعلق بـ"حزب الله"، فإنه استغرب إغفال نقطة بارزة من خريطة الطريق الفرنسية (التي ستتحول إلى البيان الوزاري بعد تأليف الحكومة)، هي النص على مسألة الحياد التي طالب بها البطريرك بشارة الراعي وأيدتها أحزاب التقاها الرئيس الفرنسي. كما أنه أشار إلى "إسقاط " البند المتعلق بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، يُعوّل عليها لتغيير الأكثرية النيابية في البرلمان من أجل تقليص أرجحية "حزب الله" في السلطة. لم يكن الموقف العربي بعيداً عن الموقف الأميركي حين دعت اللجنة الوزارية العربية المعنية بتطورات الأزمة مع إيران (السعودية، مصر، الإمارات والبحرين والأمانة العامة للجامعة العربية)، الحكومة اللبنانية "إلى إدانة التصريحات والتدخلات السافرة من قبل أحد مكوناتها الأساسية" بعد أن اتهمت "حزب الله" وأمينه العام بالإسم بهذه التدخلات.

فهل تقود العقلانية "الحزب" وحلفاءه إلى تنازلات تعجل بإنجاز الحكومة لمصلحة مبادرة ماكرون، الساعي إلى مرحلة انتقالية تخفف ثقل الانهيار على اللبنانيين، بينما تكتفي طهران بالدعوة إلى انتظار قاتل للانتخابات الرئاسية الأميركية؟