تتأرجح إيران ومعها ملفها النووي بين التصعيد والتفاوض، وما بين هذين المسارين تعقد في جنيف اليوم محادثات مع كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وذلك بعد أسبوع من قرار ينتقد طهران على عدم تعاونها في الملف النووي حرّكته هذه الدول الثلاث إلى جانب الولايات المتحدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما دفع إيران إلى تشغيل سلسلة جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.
اللافت أن المحادثات الجديدة ستذهب أبعد من الملف النووي لتتناول أيضاً قضايا إقليمية، بما فيها القضية الفلسطينية ولبنان، لكي يتمكّن الطرفان في نهاية المطاف من التوصّل إلى إطار يُسهم في تقريب المواقف وحلّ الخلافات.
خلافات قديمة - جديدة في مقاربة الطرفين للملف النووي، عمّقت الهوّة بين إيران والغرب القلِق دائماً من توسيع طهران لبرنامجها النووي وعدم الالتزام بتعهداتها. وما عزز هذا القلق، تهديد إيران مراراً وتكراراً بإمكان الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي العالمية، إذا قرّرت الدول الغربية إعادة فرض عقوبات أممية عليها.
وبين لغة التهديد ولغة الدبلوماسية، تشكّل هذه المحادثات بين إيران والدول الأوروبّية الثلاث الفرصة الأخيرة المتاحة أمام طهران قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومعه عودة محتملة لسياسة "الضغوط القصوى" التي انتهجها ضدّ إيران بين عامَي 2017 و2021، في مقابل تلويح الدول الأوروبّية بتفعيل آلية "سناب باك" (عودة العقوبات الدولية على إيران تلقائيّاً) المنصوص عليها في الاتفاق النووي، قبل انتهاء مفعولها في تشرين الأوّل 2025. وبالتالي، هل ستستخدم إيران هذه المحادثات لتأخير الضغوط الدولية عليها وتحقيق مكاسب استراتيجية؟
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية د. ليلى نقولا تؤكد لـ "نداء الوطن" أن محادثات جنيف بلا شك ستمنح إيران الوقت لتلافي أي عقوبات جديدة عليها، عبر مدّ اليد للدبلوماسية. وهي الرسالة التي حرص الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير خارجيّته عباس عراقجي على إيصالها في الفترة الماضية والتي تقول إن "إيران تريد المفاوضات".
لذلك، تسعى أوروبا، رغم قلقها من التصعيد، إلى الحفاظ على الاتفاق النووي كإطار للتفاوض، في حين ستتجه الأنظار بعد العشرين من كانون الثاني المقبل إلى تعاطي ترامب مع هذا الملف. فهل ستتناغم محادثات إيران وأوروبا، مع تلك المحتملة بين إيران وأميركا؟ وعلى صعيد متصل، هل يُمكن أن تؤثر التهديدات الإسرائيلية المتزايدة ضدّ طهران على قرار ترامب وأدائه في هذا الملف؟
تشدّد نقولا على أن علاقة ترامب - نتنياهو مغايرة لعلاقة بايدن - نتنياهو، وبالتالي لا يُمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي جرّ ترامب إلى ما لا يُريده. فالأخير يُريد انتهاج سياسة تقضي بفرض عقوبات قوية لتحصيل التنازلات المطلوبة، ثمّ رفعها لكي لا تضرّ بالاقتصاد الأميركي والدولار. لذا، سيسعى ترامب إلى فرض عقوبات استراتيجية على إيران وليس عقوبات قصوى، لتمهيد الطريق لاحقاً أمام إبرام اتفاق معها لتفادي حصول أي تداعيات كارثية قد تنتج عن استمرار الوضع الحالي.
من هنا، تؤكد نقولا أن سقف ترامب في الملف الإيراني هو عدم امتلاك طهران للسلاح النووي، وبالتالي كلّ ما هو دون هذا السقف قابل للتفاوض والنقاش. لذلك، تنظر إيران إلى ما يُمكن تحصيله من الغرب عبر هذه المفاوضات على قاعدة إمّا العودة إلى الاتفاق النووي القديم مع تعويض الأضرار الاقتصادية الناجمة عن انسحاب واشنطن منه، وإمّا التفاوض على اتفاق جديد. فهل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة أم أن التصعيد هو الخيار الوحيد المتبقي؟