أكرم حمدان

حيثيات التريّث بإجراء الإنتخابات الفرعية لا تُلغي مخالفة الدستور

12 أيلول 2020

02 : 01

رئيس الجمهورية يوقّع مخالفة دستورية جديدة

منذ يومين، وُزّع خبر عبر وسائل الإعلام مفاده أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، إتّفقا على إصدار قرار بتأجيل الإنتخابات النيابية الفرعية إلى ما بعد الأول من كانون الثاني2021 نظراً للظروف الراهنة، وإنتشار وباء "كورونا". وبمعزل عن حيثيات قرار التريّث الذي أصدره أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكّية الذي سنشرح تفاصيله، فإنه يفترض وِفقاً للدستور والقانون إجراء الإنتخابات الفرعية لملء الشغور في ثمانية مراكز موزّعة على 6 دوائر إنتخابية بفِعل إستقالة النواب: سامي الجميل، نديم الجميل، إلياس حنكش، بولا يعقوبيان، نعمة إفرام، ميشال معوض، مروان حمادة وهنري حلو، وتتوزّع المقاعد على: الشوف، وعاليه، وبيروت الأولى، والمتن، وكسروان، وزغرتا، بينها ستّة مقاعد مخصّصة للموارنة، ومقعد أرمن أرثوذكس، ومقعد درزي.

عدم توقيع الرئيس مخالفة دستورية

هذا القرار أعاد فتح مسألة الإستنسابية في توقيع المراسيم التي يعتبرها أكثر من خبير ومرجع قانوني ودستوري أنها مخالفة فاضحة وصريحة للدستور، لا سيّما من قبل رئيس الجمهورية في حال تمنّعه عن التوقيع، وهذا ما حصل بالنسبة لمرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي كان وقّعه الوزير محمد فهمي في 24 آب الماضي، وأرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء التي أرسلته إلى وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني فوقّعه بدوره (رصد نحو 7 مليارات ليرة كلفة الانتخابات) ومن ثم أرسل المرسوم إلى رئاسة الجمهورية.

كان يُفترض أن يوقّع رئيس الجمهورية المرسوم أمس بتاريخ 11 أيلول إلتزاماً بالمهل المحدّدة في الدستور وفي قانون الإنتخابات، لأنّ المجلس النيابي قبل إستقالة النواب الثمانية في جلسته التي انعقدت في 13 آب المنصرم في الأونيسكو. ووِفقاً لقانون الإنتخاب والدستور، يُفترض أن تجرى إنتخابات فرعية لملء الشغور خلال مهلة الشهرين من تاريخ قبول الإستقالة، أي في 13 تشرين الأول المقبل كحدّ أقصى، ولأنّ القانون حدّد في متنه يوم الأحد لإجراء الإنتخابات يُصبح الموعد حكماً في 11 تشرين الأول الذي يُصادف يوم أحد، كما أنّ القانون يشترط دعوة الهيئات الناخبة قبل شهر من موعد الإنتخابات، ما يعني صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بحدّ أقصى في تاريخ 11 أيلول (أمس) وإلّا تكون السلطة، وتحديداً رئاسة الجمهورية إرتكبت مخالفة واضحة وكبيرة للدستور والقانون. ويرى أكثر من خبير قانوني ودستوري أنّ عدم توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم، أو امتناعه، وخصوصاً مرسوم دعوة الهيئات الناخبة يؤدّي إلى تعطيل الإنتخابات، وهذا أمر يُسأل عنه الرئيس ويُمكن محاكمته وِفقاً للدستور. ويقول الخبير الدستوري حسن الرفاعي إنّ مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لا يُعرض على مجلس الوزراء، بل يكتفى لنفاذه أن يوقّعه الوزير المختصّ ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وفي حال إعتراض رئيس الجمهورية يُرفع الأمر لمجلس الوزراء مجتمعاً لبتّه.

ويرى الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين أن امتناع رئيس الجمهورية عن التوقيع يُعطّل عمل الدولة، وفيه مخالفة دستورية. ووِفق الدستور، رئيس الجمهورية مُلزم بتوقيع المراسيم العادية بحيث يقول الدستور: "رئيس الجمهورية يصدر المراسيم"، ولا يقول: "له أن يصدر المراسيم"، وبالتالي توقيع هذه المراسيم من ضمن واجباته الدستورية.

بارود: التريّث مبالغ به

يقول الوزير الأسبق والخبير القانوني والدستوري زياد بارود لـ"نداء الوطن": "إن المادة 41 من الدستور جاءت بصيغة الوجوب وليس الجواز، ونصّت صراحة على أنّه "إذا خلا مقعد في المجلس النيابي، يجب الشروع في إنتخاب الخلف في مهلة شهرين" وبالتالي هذا الموجب هو موجب دستوري وليس فقط قانون الإنتخاب الذي أعاد تأكيد النصّ في المادة 43 منه. وعليه، فإنّ النص لا يحتمل التأويل أو الإجتهاد".

ويؤكد بارود أنّ "التريث إلى ما بعد 1/1/2021 الذي ورد في كتاب التأجيل مبالغ فيه، فهو أكثر من ثلاثة أشهر وترك الموضوع مفتوحاً وكان يُمكن أو من الأفضل تحديد مهلة، ولكن ما جرى فيه مخالفة للمادة 41 من الدستور سيّما وأنّ القوة القاهرة تُفسر بصورة ضيقة ولا يجوز التوسّع في تفسيرها، ولا يجوز إستسهال التأجيل إلا في الحالات القصوى".

ويستذكر بارود محطّات لتجاوز المادة 41 من الدستور، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، عندما إستشهد النائب بيار الجميل في 21/11/2006 بينما جرت الإنتخابات الفرعية في آب 2007، أي بعد حوالى تسعة أشهر، وكذلك لم تحصل الإنتخابات الفرعية بعد إنتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية وشغور مقعده النيابي في كسروان، كما لم تحصل إنتخابات فرعية عندما إغتيل النائب انطوان غانم. وفي كلا الحالتين، كنّا خارج الستة أشهر الأخيرة من ولاية مجلس النواب. ويُسجل بارود لقرار التريّث الذي صدر بتأجيل هذه الانتخابات أنه "للمرّة الأولى تكبّدوا عناء تبرير التأجيل بينما في السابق كان يتمّ تجاهله، فالكتاب الصادر عن أمين عام مجلس الوزراء يفنّد الأسباب، ويستند إلى ردّ وكتب الوزارات المعنية وكذلك رأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، وهو من دون أن يُسمّي إستند إلى القوة القاهرة عندما ذكر حالة الطوارئ وانفجار المرفأ و"كورونا" التي تحول دون إجراء الانتخابات".

وأضاف: "على سبيل القياس، في فرنسا تأجّلت الدورة الثانية من الإنتخابات البلدية لمدّة ثلاثة أشهر بسبب "كورونا"، ولكن حصل ذلك بما يشبه ordonnance وهي بمثابة المرسوم الإشتراعي في لبنان، أي لديه قيمة تشريعية".

وأكّد أنّ "الإستناد إلى حالة الطوارئ لا يكفي بحدّ ذاته، لأنّها تقتصر على بيروت ولا تُعلّق تطبيق الدستور، كما أنّ "كورونا" حاضرة في التظاهرات، فما الذي يمنع من إتّخاذ تدابير التباعد، وهو ما ورد في كتاب وزارة الصحّة الذي لم يقل باستحالة إجراء الإنتخابات؟ ولكن، يبدو أنّ الرأي الغالب كان لهيئة التشريع والإستشارات التي ركّزت على موضوع الإنفجار وما تعرّض له الناخبون في بيروت الأولى حيث يوجد مقعدان شاغران، واستحالة إجراء الانتخابات في يوم واحد".


دعوة الهيئات الناخبة



MISS 3