ألين الحاج

صراع على الحقيقة في عصر المعلومات

"الإعلام التقليدي" و "إعلام المواطن": إلغاء أم تعايش؟

"!You are the media now" (أنتم الإعلام اليوم!) بهذا التصريح الجريء، أعلن الملياردير إيلون ماسك أنّ "إعلام المواطن (Citizen Journalism)"، حيث يلعب الأفراد الدَّور الأبرز في صياغة الروايات وتوجيه الأحداث، أصبح القوة الفاعلة في تشكيل المشهد الإعلامي، ليثير بكلامه هذا جدلاً واسعاً. 


مالك منصّة "أكس" أراد أيضاً من خلال تصريحه، الذي أتى في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية، أن يثبت مصداقيّة منصّته، مشيراً إلى أنّ "حقيقة الانتخابات كانت واضحة للجميع على "أكس"، في الوقت الذي استمرت فيه وسائل الإعلام التقليدية في تضليل الجمهور بلا توقّف".

وذهب ماسك أبعد من ذلك، حيث كشف عن نيّته جعل منصّته "المصدر الوحيد للحقيقة"، داعياً المستخدمين إلى المُساهمة الفعّالة في تصحيح المعلومات المضلّلة ومشاركة ملاحظاتهم الخاصة لضمان دقة المحتوى.


لكن الردّ على كلام ماسك جاء سريعاً وحاسماً على لسان الرئيس التنفيذي لموقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي جيم فانديهاي، الذي وجّه رسالة مباشرة إلى ماسك ومستخدمي منصّته، خلال خطاب ألقاه بمناسبة حصوله على جائزة مرموقة في مجال الصحافة، حيث قال "!You are not the media" (أنتم لستم الإعلام!). وأضاف منتقداً ماسك "امتلاكك علامة زرقاء، وحساباً على تويتر، و300 كلمة ذكيّة لا يجعلك صحافياً"، ليضع بالتالي حدوداً فاصلة بين العمل الصحفي المحترف وممارسات الإعلام البديل.



ماذا عن لبنان؟

من الولايات المتحدّة الأميركيّة إلى لبنان، حيث تنامى دور وسائل التواصل الإجتماعي، ومعها "إعلام المواطن". رئيس تحرير موقع "MTV" الإلكتروني داني حداد، أشار لـ "نداء الوطن" إلى أنّه "لا يمكن إغفال الدَّور المتزايد الذي باتت تؤدّيه هذه الوسائل كمصدر معلومات، مع ذلك، فهي تفتقد إلى "الشرعيّة"، ما يعني أنّه ينبغي التدقيق دوماً بمصداقيّتها، خصوصاً في لبنان، حيث نقع على كمّ كبيرٍ من الأخبار المفبركة التي يتناقلها الناشطون عبر هذه الوسائل، من دون تقديم دليل على صحّتها أو التأكّد من دقّتها".


في المقابل، لم يُنكر حداد دور وسائل التواصل الاجتماعي كعنصر مكمّل لوسائل الإعلام التقليدية، من دون أن تلغي الواحدة الأخرى. لكنه لفت إلى أنّ أخطر ما في الأولى هو "مساواتها بين المطّلع والجاهل، وإتاحتها للأخير أن يعطي رأيه ويقدّم "المعلومة"، من دون احترام الأصول المهنيّة التي تلزم الصحافي، مثل الحقيقة والمصداقيّة وتجنّب الذمّ بالآخرين، وغيرها من معايير الأخلاق المهنيّة، خصوصاً ما يتعلّق بالصورة والفيديو وحقوق الملكيّة الفكريّة".



رئيس تحرير موقع "MTV" داني حداد


أخبار الحرب

تجدر الإشارة إلى أنّ لبنان شهد، خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل، العديد من أنواع التضليل الإعلامي التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر، تمّ التداول برسائل إنذارات كاذبة ومزيفة لإخلاء مبانٍ بسبب تهديدات أمنية ما تسبب في حالات من الهلع بين السكان وفاقم الفوضى والارتباك.

من جهة أخرى، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوات وثّقت الواقع في الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق المتضررة من القصف الإسرائيلي، لتقوم وسائل الإعلام التقليدية باعتمادها لاحقاً.


دور محوري

رغم المخاوف من "صحافة المواطن" وخطرها، لا يمكن إنكار الدور المفصلي الذي لعبه "تويتر"، قبل أن يتحوّل إلى "أكس"، في مصر خلال "ثورة يناير" عام 2011. حينذاك لم يقتصر دور المنصّة على نقل الأخبار فحسب، بل تحوّلت إلى قاطرة إعلامية قادت التغيير حيث برزت قوتها وأهميتها بشكل لافت عندما بدأ الناشطون المصريون باستخدام وسم لتمييز التغريدات المتعلقة بالثورة. وساهم هذا الوسم في نقل أخبار احتجاجات ميدان التحرير على "تويتر"، ما أدّى إلى انتشارها لاحقاً وتبنّيها من قبل وسائل الإعلام العربية والغربية، ليؤكّد أهمية "صحافة المواطن" في تغطية الأحداث ودورها في قيادة الدعوات للتظاهر وصياغة الرأي العام.



تقويض الاحتكار

هنا لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم "صحافة المواطن" أتاح لأي شخص، حتى من خارج المجال الصحافي، فرصة نقل الأحداث وصياغة السرديات، وبالتالي تقويض احتكار المؤسسات الإعلامية التقليدية لصناعة الأخبار. غير أنّ هذا التطوّر لا يلغي حقيقة أن هذه المؤسسات نفسها اندمجت في الفضاء الرقمي، حيث تحوّل الإعلام التقليدي في كثير من الأحيان إلى إعلام رقمي ينافس منصات التواصل الاجتماعي، معتمداً الأدوات نفسها، ومواجهاً التحديات ذاتها.


ويبقى التحدّي الأكبر في التصدي لانتشار المعلومات المضلّلة. وهذا الأمر يتطلب بناء ثقافة رقمية مسؤولة، تشجّع على التحرّي الدقيق للحقائق وتحصّن المجتمع ضد التأثيرات السلبية للمعلومات المغلوطة، خصوصاً مع تراجع معدّلات المشاهدة والتصنيفات للقنوات التقليدية، وانخفاض ثقة الجمهور بوسائل الإعلام التقليدية وفقاً لاستطلاعات الرأي. فبات القطاع الإعلامي في مواجهة تحديات كبيرة، من بينها تسريح موظفين في مجال الأخبار، بالإضافة إلى تزايد الاعتماد على نموذج الاشتراكات المدفوعة لتحقيق الإيرادات، كما في نموذج "أكسيوس".