كوليت مرشليان

معرض "أن نجعل الحجارة تتكلّم"

بقايا منحوتات "نوتردام دو باري" في "متحف كلوني"

أيام قليلة وسيصبح الحريق الذي شبّ في كاتدرائيّة "نوتردام دو باري" في نيسان 2019 مجرّد ذكرى، إذ ستفتح الكاتدرائيّة أبوابها ابتداءً من 8 كانون الأول الجاري. وعلى جهة ثانية، افتُتح في منتصف تشرين الثاني في "متحف كلوني" في باريس معرض بعنوان "أن نجعل الحجارة تتكلم"، تُعرض فيه مجموعة مهمّة من بقايا منحوتات وديكورات من العصور الوسطى الخاصة بالكاتدرائيّة ويستمر إلى 16 كانون الأول 2025. 


سبقت افتتاح الكاتدرائيّة الذي سيجري نهاية هذا الأسبوع، أعمال الترميم، التي امتدّت خمسة أعوام كاملة، قام بها المهندس الفرنسي فيليب فيلنوف مع المئات من العمّال والتقنيين والحرفيين، وساهم في دفع التكاليف 340 ألف متطوّع من كل أنحاء العالم بمبلغ وصل الى 846 مليون يورو. وقد زُوّدت الكنيسة التاريخية بجهاز حماية ضدّ الحريق متطوّر للغاية.


متحف الكاتدرائية

لكن للأسف بقايا المنحوتات الموجودة في "معرض كلوني" هي جزء ممّا خسرته الكاتدرائيّة إثر الحريق الهائل الذي قضى على تحف كثيرة، منها مثلاً منحوتات التماثيل الضخمة في "غاليري دي روا" أو "غاليري الملوك". وأيضاً "تمثال آدم" وهو تحفة فنيّة من العصر القوطي، كما تُعرض بقايا من بوابة "سانت آن" ومن بوابة "الحكم الأخير". ومنذ نشأة "متحف كلوني" الخاص بأعمال القرون الوسطى، يُعتبر هذا الأخير المكان الرئيسي للحفاظ على أعمال الكاتدرائيّة النحتيّة الكثيرة، ومنها ما وُجد عام 1977 إثر أعمال بناء لفندق باريسي، حيث عُثر على رؤوس ملوك منحوتة وأعمال أخرى كانت قد فُقدت لفترة طويلة، وخاصة بعد أعمال صيانة وتغييرات كثيرة طرأت في العصور الحديثة.


معظم الأعمال المعروضة ورثتها الكاتدرائيّة من القرون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، وقد تمّ ترميم ما يمكن ترميمه بشكل دقيق للغاية، منذ العام 2022. كذلك تُعرض منحوتات ومقتنيات خاصة بالكاتدرائيّة كانت محفوظة خارجها حين اندلع الحريق، منها زهاء 120 قطعة من التراث المكتوب من وثائق تاريخيّة وكتب كانت محفوظة في "مكتبة باريس الوطنيّة".



مشروع طويل

ومن المعروف أنّ عدداً كبيراً من العلماء، وعلى رأسهم عالم الآثار كريستوف بينييه، عملوا فترة طويلة في البحث عن بقايا المنحوتات بعد الحريق، ووصل عدد هذه الأخيرة إلى الآلاف. وما سيعثر عليه الزائر في المتحف سيكون بعضاً من أجزاء المنحوتات المحروقة جزئيّاً، أو المكسورة، وقد يعثر على وجه أو يد أو قطعة حجر... وهذه القطع بالتحديد سيعمل عليها علماء الآثار في مشروع طويل يمتدّ على سنوات في إعادة تركيب محتملة لعدد من المنحوتات.


والمعروف تاريخياً، أنّ الكاتدرائيّة واجهت تخريباً من أنواع مختلفة، ومنها في فترة الثورة الفرنسيّة. إذ أقدم الثوار وأكثر من مرّة، على ضرب المنحوتات الخارجيّة وتكسيرها وتهشيمها. وقد سُرقت وتبعثرت في كل أنحاء باريس، واستمر البحث عنها طويلاً لإعادتها وترميمها. وكل ذلك كان بسبب خطأ فادح ارتكبه الثوار، إذ ظنّوا أنّ الرؤوس المعروضة تحت خانة" غاليري الملوك"، هي رؤوس ملوك فرنسا، فعملوا على تكسيرها في حين أنها كانت ترمز الى شخصيات دينية من ضمن تماثيل رواق ملوك يهوذا. فقطع الثوار الرؤوس وبعثروها ثم عُثر على 21 منها.


أيقونة إنسانيّة

مرّت نوتردام بفترات صعبة حيث عُمل مراراً على تهميش دورها، لكنّ واحداً من أبرز المواقف الذي أعاد الاعتبار لمكانتها الدينية والفكريّة والثقافيّة، هو حين كتب الشاعر الفرنسي فيكتور هوغو رائعته "نوتردام دو باري" الروائيّة، التي كرّسها الفرنسيون كواحدة من أجمل الأعمال الأدبية، فأصبح المكان أيقونة إنسانيّة يزورها الملايين من السيّاح كل عام.

بإختصار، بقيت كاتدرائيّة "نوتردام دو باري" صامدة في مواجهة كل ما عصف بها خلال عصور طويلة، غير أن حريق عام 2019 كان الأقوى والأشرس. وما يختزنه "متحف كلوني" في باريس اليوم من قطع مبعثرة سيشكّل المجموعة – الكنز التي سيعمل عدد كبير من علماء الآثار على تأكيد مصدرها وهويتها الفنيّة في محاولة لعدم اندثارها، بل لإعادة ترتيبها في بحث طويل قد يستغرق مدّة طويلة.



مخطوطات وكتب

ثمّة مجموعة استثنائيّة من حوالى 300 مخطوطة تشير إلى القيمة الفنيّة والدينيّة المهمّة للكاتدرائيّة في العصور الوسطى، حيث كانت مكتبة "نوتردام" أهم مكتبة عامة في باريس. وأبرز الكتب المعروضة كتاب "الطقوس" من القرن السادس عشر، وكتاب "القداس" من القرن الخامس عشر، ووثيقة من كتاب بعنوان "مدينة السيدات" إلى جانب عدد من المخطوطات والمطبوعات التي كانت تُستخدم للصلاة والدراسات الدينيّة.