أحبُّ الموسيقى منذ طفولتي، أستمتع بها وأتابع نجومها والموهوبين في مجالاتها كافة. ولأنني شغوفة في متابعة عازفي البيانو تأثرت بالعازف اللبناني الشهير عمر حرفوش ابن طرابلس الموجوعة، شدّني بلبنانيته أولاً وبموهبته ثانياً، تابعت أخباره بين السياسة والفن خصوصاً بعدما برع في فن السياسة أيضاً.
في الأمس تجلّى حرفوش في عرضه التاريخيّ في مدينة دبيّ في" كونشرتو السلام" بحضور عملاق هوليوود وسفير الأمم المتحدة واليونيسف أورلاندو بلوم، فسحَر الجماهير المحتشدة، وكتب تاريخاً جديداً في إحدى أهم العواصم العربية. لفتني العازف الطرابلسيّ العالمي في مهرجاناته الأخيرة بمتلازمة الفن والسلام. فمع كل مهرجان يقيمه يطأ السلام خطوة. في "مهرجان باريس"، تابعت حرفوش كعادتي وخلال اعتلائه المسرح، بدأت إسرائيل بقصف "حزب الله"، خاطب الحاضرين بصوتٍ حزين متهدج عن السلام، كلبنانيّ يؤمن بالمحبة ويعزف للعالمية. بعدها قُتل أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله، ودخل لبنان طريق السلام الحقيقي.
في الفاتيكان وبعدما أنهى حرفوش عزفه على الـبيانو بشغفه المعتاد كان وقفُ إطلاق النار في لبنان في طريقه إلى التنفيذ. أليست متلازمة الفن والسلام؟ أمس في دبي، وفي الوقت الذي كان ينتهي حرفوش من مهرجانه كان الرئيس السوري بشار الأسد قد هرب، وبعد تصفيق الجمهور لدقائق قال حرفوش: "نحن من بلدان وأديان مختلفة، نجلس معاً وبقرب بعضنا، نستمع إلى موسيقى السلام مستمتعين. فإذا سأل الأوكراني من يجلس إلى يمينه من أين أنت؟ من الممكن أن يجيبه: من روسيا. وإذا سأل المُسلم جاره الجالس عن يساره ما هو دينك؟ فمن الممكن أن يقول له: أنا يهودي، وإلى ما هنالك، ولكن جميعكم جئتم لتستمعوا إلى السلام، فهل تريدون السلام؟".
فصرخ الجميع وبصوت واحد قويّ: "نعم نريد السلام، لقد تعبنا"!
العازف السياسيّ السنيّ هو نفسه الحائز على الميدالية "البونايفيكية" التي، وبحسب ما ذكرت محطة الـ MTV في أخبارها منذ فترة، قد أهداها الحبر الأعظم إلى حرفوش وتُعطى للمرة الأولى لمسلم سنيّ بصفته أميراً للسلام على الأرض. فهل هذه مصادفة، أو متلازمة الفن والسلام؟
وأن تسمح حكومة دبي بجدارات إلكترونية على أهم "بولفاراتها" لـ "كونشرتو السلام"، ليست مصادفة بل متلازمة الفن والسلام.
قد أكون متأثرة بحرفوش كوني من متابعيه، ولربما وفي الكثير من الأحيان قد بالغت في توصيف المشهدية، لكنني أجزم بأنه خلال عزفه "كونشيرتو السلام" في دبي كان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرسمان خارطة طريق السلام بين أوكرانيا وروسيا في باريس. ليست مصادفة بل متلازمة الفن والسلام.