شادي معلوف

مشروع سمعي – بصري "لكلّ أطفال المشرق"

تانيا صالح: "لعب ولاد زغار" كان حلمي الذي تحقّق

منذ انطلاق تانيا صالح في عالم الموسيقى والغناء، نحت باتجاه التعبير عن قضايا الإنسان، فكتبت ولحّنت وغنّت، وحين تطلّب الأمر رسمت. وفي كلّ ذلك عبّرت عن المرأة ومواضيعها، والإنسان وأوجاعه، والمواطن وقضاياه، وصولاً إلى الطفل وأحلامه.


خطّها المستقلّ في الكلمة واللحن والأداء، حمل بساطة التعبير، في مقابل غنى المواضيع، من الطائفيّة إلى مكافحة الفساد، والحب، والهويّة، وغيرها. وفي نغمات أغنياتها برز مزيج من الموسيقى الشرقية التي تشرّبتها منذ نشأتها، والموسيقى الغربية التي لفتتها، فأحبّتها.


منذ مدّة قصيرة، أفادت من إقامتها الباريسيّة للتوجّه نحو الطفل اللبناني والعربي، وخصّته بمشروع سمعي – بصري متكامل، من الأغنية، إلى الشريط المصوّر، فكتاب التلوين.




"الحاجة الماسة لأغنيات جديدة تستخدم لغتنا العربية المشرقية وسيلةً للتعبير، وتتناول في مضمونها مواضيع من يومياتنا"، هي ما جعل الفنانة تانيا صالح تختار الطفل محوراً لعملها الجديد، كي لا يبقى الطفل اللبناني، وحتى العربي، "يجترّ" "ماضينا الموسيقي والبصري، الذي نعيد تكراره وفرضه على جيل أصبح متطوراً تقنياً، ومنفتحاً على وسائل تواصل جديدة".



مواضيع من حياتنا

تقول صالح لـ "نداء الوطن" إنه كان لا بدّ لها في تلك الأغنيات من "التكلّم عن الموسيقى والآلات الموسيقية، عن أيام الأسبوع، وعن الأبجدية التي يستصعب الأهل تلقينها لأولادهم بشكل بسيط. عن الزراعة في بلادنا وحبّ الأرض، عن السفينة والإبحار، والأبجدية الفينيقية لكوننا تحديداً شرق متوسطيّين ولأنّ البحر جزء مهم جداً من حياتنا". ولأنّ الإنسان هو القضيّة الأولى في كلّ ما تقدّمه تانيا صالح من فنون، تناولت أيضاً في مجموعة "لعب ولاد زغار" الغنائية "موضوع التغلّب على الخوف من الحرب، كذلك التربية الحديثة للأطفال"، فبالنسبة لها مسموح للطفل أن يقوم بكلّ شيء، طالما سوف يؤدي ذلك إلى التعلّم من أخطائه. حتى "الجار الذي خرج من داره بينما الطبخة ما زالت على النار" تناولته صالح في أغنيات ألبومها الجديد، إضافةً إلى سواها من المواضيع المعاصرة ليومياتنا وحياتنا.



إنتاج من "جيبها الخاص"

ولأنّ النمط واللون الغنائيّين اللذين اختارتهما تانيا صالح في مشوارها الفني، من الصعب عادةً أن يتوفّر له منتج "قلبو قوي"، فمن البدهيّ أنّ إيجاد منتج لألبوم غنائي مخصّص للأطفال أمر أصعب. لهذا اختصرت صالح الطريق على نفسها وأنتجت العمل من جيبها الخاص "لأنّ أيّ منتج سوف يحشر نفسه بالمواضيع المنتقاة، وباللغة المستخدمة، وبحريّة التعبير عن الأفكار والرسوم، وبالقيود السياسية لأي موضوع شائك مثل الحرب والسِّلم"، لذا اختصرت الفنانة الطريق و "ما وجّعت راسي بهالموضوع"، على ما توضح صالح.


حلم منذ زمن بعيد

الفنانة اللبنانية تعيش منذ فترة في فرنسا، نسألها إن كان الاهتمام هناك بالمواد المرئية والمسموعة الخاصة بالأطفال دافعاً لها لإنتاج هذا العمل، فتجيبنا أنّ "الفن في فرنسا إجمالاً، كما الثقافة السمعية والبصرية، من خبزهم اليومي. فهناك أكثر من 350 عرضاً فنّياً في اليوم الواحد في باريس فقط"، لكنّها تستدرك قائلةً إنّ اهتمام الفرنسيّين بالأعمال الفنية الخاصة بالأطفال، لم يكن هو فقط ما دفعها للعمل على هذا المشروع، إنما لكون فكرة أن تكون فناناً هي أمر إيجابي بحدّ ذاته في تلك البلاد، على عكس ما اعتادت سماعه في لبنان طوال عمرها "حرام إنتِ بتغنّي، وبترسمي كمان؟... يعني ما لقيتي شي تاني أحسن تعمليه بيطلّع مصاري؟". لكن لأنّ الأعمال الفنيّة التي تركّز على الجيل الجديد نادرة في بلادنا، فقد "حلمت أن أكتب ألبوماً غنائيّاً للأطفال منذ زمن بعيد، أي عندما كان أولادي صغاراً. اليوم نضج المشروع أكثر، فقرّرت أن أعمل على مشروع سمعي-بصري، يتضمّن أغنيات ورسوماً متحرّكة وكتاب تلوين".



كتاب مكمّل

وعلى سيرة كتاب "لعب ولاد زغار"، فغلافه الخلفيّ يتضمّن "QR Code" يمكن مسحه عبر الأجهزة الذكيّة، "لينقلك إلى صفحة الرسوم المتحركة على "يوتيوب"، ويمكّنك من الاستماع إلى الأغنيات ومشاهدة الرسوم المتحركة. أما الكتاب في حدّ ذاته فهو كتاب لتلوين الشخصيات الموجودة في الرسوم المتحركة والتفاعل معها، كذلك يمكن قراءة كلمات الأغاني مع ترجمتها باللغتين الفرنسية والإنكليزية".


إذاً الكتاب الذي أعدّته تانيا صالح يُعتبر مكمّلاً "للمشروع السمعي - البصري، ومن أهدافه تفادي طبع الأغنيات على قرص مدمج، وهو أمر يكاد يوشك على الانقراض، ولأنّ الوصول إلى الأطفال لا يكون من خلال الألبوم الموسيقي التقليدي، فكلّهم أصبحوا على الشاشات عبر الإنترنت، وينبغي لنا اللّحاق بهم إلى حيث هم موجودون ويحبّون".


تانيا صالح التي قطعت أخيراً إقامتها الفرنسيّة وزارت لبنان، تقول إنه "كان لا بدّ من إطلاق هذا العمل في لبنان مع أهلي وأولادنا هناك، وقد أصررت على طبع الكتاب في لبنان أيضاً. لكنّ عملي الفني هذا هو لكلّ أطفال المشرق الذين يعيشون القصص والتفاصيل نفسها تقريباً في يومياتهم، فالطفل الفلسطيني والسوري واللبناني في فضاء واحد، وجميعهم يتكلّمون اللهجة عينها تقريباً".


كتاب تانيا صالح، صالح في "زمن الميلاد" و "موسم الهدايا" ليكون هديّة فنّية – ثقافيّة لأطفال لبنان والعالم العربي، وهو متوفّر في مكتبات "أنطوان" و "الحلبي" و "جبران" في جبيل، وفي "المتحف الوطني" و "متحف سرسق" في بيروت، و "متحف مقام" في جبيل. وسوف يكون متوفّراً أيضاً، ابتداءً من العام 2025، في مكتبة "معهد العالم العربي" بباريس.



تانيا ومشاريعها المقبلة

تكشف الفنانة تانيا صالح لـ "نداء الوطن" عن بعض مشاريعها المقبلة ومن بينها "عمل موسيقي سيصدر قريباً ويتضمن 10 أغنيات من وحي الحياة في المهجر، وسيكون بعنوان "قابل للكسر – Fragile. وهناك تعاون مع الموسيقي اللبناني المقيم في فرنسا ريّس بيك، لإعداد حفل موسيقي لتكريم أم كلثوم، في مجمّع "فيلهارموني" بباريس، كما أشارك صديقتي زينة أبي راشد بقراءة وغناء نصوص من جبران خليل جبران من خلال كتابها المصوّر الجديد، ومواعيدنا المقبلة في القاهرة والاسكندرية".