جاد حداد

The Social Dilemma... شبكات التواصل تحت المجهر

16 أيلول 2020

02 : 00

مع توسّع معلوماتنا حول الخبث الكامن وراء مواقع التواصل الاجتماعي في الفيلم الوثائقي الجديدThe Social Dilemma (المعضلة الاجتماعية)، قد نستنتج أن الفيلم ينذر بحرب نووية! سنكتشف أن دماغنا يتعرض للتلاعب أو إعادة الضبط عبر خوارزميات مُصمّمة لجذب انتباهنا ودفعنا إلى شراء السلع أو حتى الاقتناع بأفكار معينة عن العالم أو عن أنفسنا والآخرين.

هذا الفيلم هو من إخراج جيف أورلوفسكي الذي قدّم أفلاماً وثائقية مرعبة أخرى، أبرزها Chasing Coral (مطاردة المرجان) وChasing Ice (مطاردة الجليد). يمكن إعطاء عنوان "مطاردة البشر" لهذا العمل أيضاً كونه يطرح أسئلة جوهرية ووجودية حول تجريدنا من القدرة على اتخاذ قرارات محورية بشأن طريقة صمودنا في الحياة.

طرحت أعمال وثائقية أخرى مخاوف حول انعكاسات مواقع التواصل الاجتماعي على خصوصية الناس ومعنوياتهم أو حتى أنظمتهم الديمقراطية. لكن يتفوق هذا الفيلم من ناحية معينة. تشمل الأعمال الأخرى خبراء قيّمين يشرحون العوامل التي أوصلتنا إلى هذا الوضع ومساوئ الظروف القائمة، لكن يختلف هذا الفيلم لأنه يختار عدداً كبيراً من الخبراء الذين أوصلونا إلى هذا الوضع، على غرار المدراء التنفيذيين في شركات "تويتر" و"إنستغرام" و"بنترست" و"فيسبوك" ومواقع أخرى تغرينا لاستخدامها وتقاسم المعلومات لأطول وقت ممكن، ما يسمح لها ببيع منتجاتها. في بداية الفيلم، سنلاحظ أن الأطراف التي تسرد قصصها تبدو منزعجة وتشعر بالإحراج. وسرعان ما يتبيّن أن هؤلاء الأشخاص مستعدون للاعتراف بالحقيقة وتقديم الاعتذار.





يظهر مثلاً جاستن روزنشتاين، مخترع "زر الإعجاب" على "فيسبوك". هو يقول بخجل إن هذه الخاصية كانت تهدف في الأساس إلى "نشر أجواء إيجابية". ما الضير من السماح لأصدقائنا بالتعبير عن "إعجابهم" بمنشوراتنا؟ لكن تبيّن في النهاية أن الناس تنجرح مشاعرهم إذا لم يُعجَب الآخرون بمنشوراتهم وقد يغيرون سلوكهم لنيل إعجابات إضافية. هل يطرح هذا الوضع مشكلة حقيقية؟ لنفكر بالسيناريو التالي: تتألف شريحة واسعة من الفئة التي تحاول نيل "الإعجابات" بطريقة عاجلة من المراهقين الشباب. ونعرف جميعاً حجم المعاناة التي يعيشها الطلاب في المدرسة المتوسطة. في هذه المرحلة، يتوقف المراهقون فجأةً عن تصديق كل ما يقوله لهم أهاليهم ويصبّون تركيزهم على اكتساب الشعبية بين نظرائهم أو تجنب وضعهم بمصاف الفاشلين على الأقل بنظر أصدقائهم في المدرسة. لننقل هذا السيناريو الآن إلى عالم الإنترنت الشاسع والفوضوي. لهذا السبب، نلاحظ تسارعاً في انتشار مظاهر القلق والاكتئاب والنزعة إلى إيذاء الذات ومحاولات الانتحار وسط الشباب الذي يلي جيل الألفية والطلاب في المدرسة المتوسطة والثانوية اليوم. يمكننا أن نضرب هذا العدد بثلاثة أضعاف. ظهر أيضاً المصطلح العيادي الجديد "تشوه سناب شات" الذي يَصِف نزعة الناس إلى الخضوع لجراحة تجميل كي يصبحوا أكثر شَبَهاً بالصور المفلترة التي يشاهدونها على الإنترنت.

يُطمئننا الخبراء إلى أن نواياهم كانت حسنة، بما في ذلك رئيس قسم "المداخيل" في "فيسبوك". يعترف مسؤول آخر بأنه يسعى إلى جعل موقعه مغرياً طوال اليوم في مكان العمل، ثم يجد نفسه عاجزاً عن مقاومة حِيَل النظام التي شارك في ابتكارها حين يعود إلى منزله ليلاً.

لكنّ أكبر خطأ في الفيلم يتعلق بإعادة تجسيد جزء من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة درامية سيئة. وحتى الممثل الموهوب سكايلر غيسوندو يعجز عن تقديم الأداء المطلوب منه حين يجسّد دور مراهق تُغريه حملات التضليل المتطرفة. وتبدو المشاهد التي يظهر فيها فنسنت كارثيزر لتجسيد المعادلات التي تحارب جهودنا للتركيز على أي عامل خارج عالم الإنترنت سخيفة. كان الفيلمان الممتازان Disconnect (قطع الاتصال) و Trust(الثقة) أكثر براعة في التعامل مع هذه المسائل.

قد نتساءل عن قدرة الجمهور على استيعاب أي خطاب إعلامي قديم يتطلب انتباهاً متواصلاً من دون "الدعم المتقطع الإيجابي" الذي يتمثل بالضغط على زر "الإعجاب". وحتى في عالم "اقتصاد الانتباه"، يطرح هذا الفيلم بعض الاقتراحات الجديرة بالاهتمام، بما في ذلك فرض الضرائب على "أصول البيانات" التي تملكها شركات مواقع التواصل الاجتماعي. أخيراً، ننصحك بمتابعة المشاهدة رغم انتهاء الفيلم لأن العمل يعرض في الختام مجموعة من القواعد الواضحة والبسيطة التي يستطيع الأهالي تطبيقها. يتعلق أهم درس يمكن استخلاصه من The Social Dilemma بضرورة التشكيك بكل ما نقرأه على الإنترنت، لا سيما إذا قُدّمت لنا المواد بطريقة تعكس صورة مفصّلة عن ميولنا وخياراتنا المفضلة. كذلك، يجب أن نقاوم "نموذج جذب الانتباه" الذي يعطي طابعاً ودّياً وداعماً لمواقع التواصل الاجتماعي.


MISS 3