حبيب باشا

حزب الله وأزمة وجوده

18 أيلول 2020

13 : 55

لم يعد أمام حزب الله سوى تقديم التنازلات، هذا الحزب الذي كان بالأمس القريب ممسكاً بزمام القرار السياسي اللبناني وعاملاً سلبياً مؤثراً في اقتصاد الدولة وأمنها ومعيشة سكانها من خلال شريكه بالثنائية حركة أمل وغلامه المطيع التيار الوطني الحرّ في التنمر على النظام الشرعي للدولة.

فبعد صدور القرار الدولي الذي ينص بوضوح على إنهاء هذا الوضع الشاذ، انعكست نتائج هذا القرار مباشرةً على الموقف الروسي التي صرح سفيرها في لبنان ألكسندر زاسبيكين قائلاً: "إن روسيا ليس لديها مشروع في لبنان، والدليل أنها لم تقدم أي مساعدات للبنان بما في ذلك إعادة إعمار المرفأ".

تمثلّت تنازلات الحزب الموجعة له والمريحة للبنان، في سقوط حكومة حسان دياب التي كانت آخر استعراض لعضلاته، وبسقوطها انتهى عصر اتخاذ القرارات، وفرض الأكثرية النيابية بالترهيب والترغيب لم تعد تعكس الوضع السياسي الحالي القائم في لبنان، وعملية تشكيل حكومة مصطفى أديب خير دليل على نهاية عصر عنجهية الحزب.

وما زاد من وضع الحزب المتأزم نزاعات حليفيه الأساسيين، حركة أمل والتيار الوطني الحر اللذان بنيا مجدهما السياسي الباطل على مبدأ "اللامبدأ"، وجمعهما علاقة غير شرعية مما سيؤدي حتماً إلى خروج التيار الوطني الحر من تفاهم "مار مخايل" عاجلاً وليس آجلاً.

لقد بدى واضحاً عجز التيار عن تحمل تبعات هذا التفاهم الذي أنهكه، في ظل تراجع رصيدهم الشعبي سيما في البيئة المسيحية، الأمر الذي دق المسمار الأخير في نعش المستقبل السياسي لرئيس التيار النائب جبران باسيل، والذي سيكون له تداعيات كبيرة كالتخلي عن حزب الله وبيع تفاهم مار مخايل بأبخس الأثمان السياسية، على مبدأ من بعد حماري ما ينبت حشيش، فالقارئ لمسيرة رئيس التيار السياسية يعرف جيداً أن هذه الصفقة آتية لا محالة، وبأن الأمور ستصل لفكّ الارتباط السياسي وغير السياسي مع الحزب في مُقابل عدم إدراج باسيل على لوائح الإرهاب أو عقوبات محاربة الفساد أو لوائح عقوبات قيصر.

ومن أبرز علامات الضغط السياسي الدولي على لبنان الهادفة إلى إنهاء تواجد حزب الله المشبوه في المنظومة السياسية للدولة، هو ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، هذا الملف القديم العالق بأدراج الرئيس بري والمتنازع عليه مع الرئيس عون بحجة صلاحيات الرئاسة الأولى، فمازال هذا الملف متوقف عند المبادرة الأميركية التي أطلقها فردريك هوف، والتي تعطي لبنان 60 ٪ من المنطقة المتنازع عليها، مقابل 40٪ لإسرائيل.


بحسب المصادر الأميركية المعنية بملف ترسيم الحدود فإنّ الفترة الأخيرة -أي ما قبل إنفجار المرفأ- قد شهدت بالفعل محادثات إيجابية تناولت ملف ترسيم الحدود، بشرّت تلك المحادثات ببدء مفاوضات جديّة في منطقة النّاقورة الجنوبية، التي يسعى المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى إنهاء الجدل في هذه القضية الحساسة والعالقة منذ زمن، لاسيّما أنها تشمل البلوكات 8 و9 و10، التي تضم، حسب الدراسات، كميات وافرة من النفط والغاز الطبيعي.

وبهذا لنا أن نقول بأن قرار إنهاء عصر هيمنة حزب الله على لبنان قد صدر بالفعل، تالياً لقرار بتر أذرع إيران السياسية في المنطقة ومتزامناً مع مرحلة الضغط السياسي والاقتصادي عليها وعلى حلفائها، وبهذا يقع لبنان اليوم في صلب المعركة الأميركية في الوقت الذي تضم الدفة الثانية من لوائح العقوبات الأميركية عشرات الشخصيات السياسية والجمعيات اللبنانية من مختلف التوجهات السياسية المتحالفة مع حزب الله.