شربل صفير

فيروس بلا لقاح وفئات ضعيفة مهدّدة... هل يجتاح "HMPV" العالم؟

بعد أن أسقط كوفيد-19 البشرية في أعمق أزماتها الصحيّة، وبعد أن ظنّ العالم أنه يلتقط أنفاسه الأخيرة، يطلّ علينا تهديد جديد من الصين، لا يقل إثارة للرعب: الميتا نيوموفيروس البشري (HMPV) فيروس قاتمٌ يحفر طريقه بصمت، لكنه يعصف بقسوة، مستهدفاً الأطفال وكبار السن، كأنه يختار ضحاياه بعناية ليزيد من حجم المأساة.


في مشاهد تُعيد إلى الذاكرة بدايات الجائحة الماضية، تشهد المقاطعات الشمالية الصينية تفشياً سريعاً للفيروس، والمستشفيات تغص بالمرضى، بينما تعلن السلطات الصحية حال التأهب القصوى. فهل نحن أمام ولادة كارثة صحيّة جديدة؟ وهل يستطيع لبنان، الغارق في أزماته الاقتصادية والصحية، النجاة إذا ما اجتاحه هذا الخطر؟


عدوٌ قديم بثوب جديد

الميتا نيوموفيروس البشري ليس وليد اللحظة. اكتُشف للمرة الأولى في العام 2001، وهو فيروس تنفسي أحادي السلسلة من الحمض النووي الريبوزي. عادةً، تُشبه أعراضه نزلات البرد والإنفلونزا، لكنه يتحوّل بسهولة إلى وحشٍ فتّاك، بخاصة لدى الأطفال، كبار السن، والمصابين بضعف في جهاز المناعة.


كيف ينتشر؟

ينتقل الفيروس عبر الرذاذ التنفسي أو ملامسة الأسطح الملوّثة، ما يجعل برودة الشتاء وتجمّع الناس في الأماكن المغلقة بيئة خصبة لانتشاره. وفي غياب لقاح أو علاجٍ مضاد، يصبح التعاطي مع الفيروس أشبه بمحاولة لإطفاء حريقٍ من دون ماء.


هل يطرق الفيروس أبواب لبنان؟

رغم عدم تسجيل لبنان حتى الآن أي حالة إصابة بالفيروس وفقاً لتصريحات اختصاصي الأمراض الجرثومية الدكتور عيد عازار لـ"نداء الوطن"، إلا أن هذا الفيروس ينتمي إلى سلالة جديدة من كورونا. ولبنان، بنظامه الصحي المتدهور وأزماته المتلاحقة، يشبه حصناً هشاً في مواجهة عواصف قادمة. في حال تسلّل الفيروس إلى حدوده، من يضمن القدرة على احتواء انتشاره في بلدٍ يعاني من صعوبة في تأمين الأدوية الأساسية؟


وفي هذا السياق، أشار عازار إلى أن هذه الفيروسات غالباً ما تكون موسمية ولا تقتضي الذعر، موضحاً أن وزارة الصحة تتابع الوضع عن كثب ودعت إلى عدم الهلع، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية لتفادي أي تطورات غير متوقعة.


شبح الذكرى الأليمة

ارتفاع الإصابات في الصين يعيد إلى الذاكرة الأيام الأولى لجائحة كوفيد-19. آنذاك، بدأ كل شيء بصمت، قبل أن يتحول إلى تسونامي صحي اجتاح العالم بأسره. اليوم، نفس التساؤلات المرعبة تطفو على السطح:


هل نملك الوقت للاستعداد؟


هل سيتكرر مشهد العزل والكمامات والمستشفيات المكتظة؟


وهل تستطيع الأنظمة الصحيّة الضعيفة في الشرق الأوسط، ولبنان على وجه الخصوص، أن تقف على قدميها أمام تهديد كهذا؟


علامات الإنذار الأولى

تشير التقارير إلى أن فترة حضانة الفيروس تتراوح بين 3 إلى 6 أيام، ويوضح عازار أنّ أعراضه تظهر بشكل متدرج على شكل:

سعال.

حمى.

احتقان الأنف.

تعب عام.


ورغم أن الأعراض تبدو مألوفة، إلا أن غياب العلاجات المحددة يزيد من خطورة الوضع، ويترك الجميع أمام خيار وحيد: "الوقاية".


العالم يترقّب... ولبنان في مرمى الخطر

في الوقت الذي تُكثف فيه الصين جهودها لتعزيز أنظمة المراقبة، وتُعلن دولٌ مثل تايوان وكمبوديا والهند حال التأهب، يبدو لبنان وكأنه يقف أعزل أمام المجهول. أزمة الأدوية، نقص التجهيزات، انهيار الثقة بالنظام الصحي كلها تجعلنا نتساءل: هل يمكن للبنان أن يصمد أمام اختبار جديد؟

إذا ما انتشر الفيروس، لن يكون هناك وقت لتجهيز مستشفيات متهالكة أو سدّ فجوات نظام صحي بالكاد يعمل. لن تكون هناك رفاهية "التعلّم من الأخطاء"."


لا مكان للتهاون

الميتا نيوموفيروس قد يبدو أقل فتكاً من كوفيد-19، لكنه يحمل في طياته إمكانية التفشي السريع والانتشار الواسع، وهو ما قد يُغرق الأنظمة الصحية الضعيفة في كارثة لا تُحمد عقباها. إذا لم يتحرّك لبنان والمنطقة بشكل استباقي، فقد نجد أنفسنا في مواجهة سيناريو مأسوي جديد يعيدنا إلى دائرة العزل والخوف.


اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الوقاية ليست خياراً بل ضرورة. لأن أي تأخير، مهما بدا ضئيلاً، قد يكون الفرق بين السيطرة والانهيار.