وليد شقير

حين يغامر الحريري بمستقبله السياسي

23 أيلول 2020

02 : 00

قبل إصدار الرئيس سعد الحريري بيانه مساء أمس كان التفتيش عن وسيلة للخروج من الجمود الكامل في اتصالات تأليف الحكومة، مع تجديد باريس تمنيها على الرئيس المكلف تأليفها السفير مصطفى أديب التريث في الاعتذار، الذي توقع بعض العارفين بخطواته أن يتم مطلع الأسبوع. لم تفلح أي من الاقتراحات في تحقيق الاختراق الذي يجنب البلد "جهنم"، التي لم يكن الرئيس ميشال عون بحاجة إلى تبشيرنا بها لأننا قابعون في صلبها والجميع يدرك أن نارها ستزداد قوة في التهامنا.

وإذا كان مفهوماً أن الجانب الفرنسي يتجنب إفشال مبادرته، لأنه سيكون بمثابة ضربة لدور إيمانويل ماكرون في المنطقة، والذي يرتكز من أجل تكريسه على تحركه لمعالجة المأزق اللبناني، فإن قطباً سياسياً رأى أن لا خيار أمام باريس سوى أن تدعو إلى مؤتمر حوار وطني لسائر الفرقاء اللبنانيين، سبق أن لمّح ماكرون إلى نيته في رعايته، كخرطوشة أخيرة لإحداث اختراق في جدار الأزمة، طالما الثنائي الشيعي يتمسك بتسمية وزير شيعي لحقيبة المال وسائر الوزراء الشيعة، فيما يصر رؤساء الحكومات السابقون والرئيس ميشال عون وفرقاء آخرون، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وسائر الفرقاء المسيحيين، على المداورة الكاملة في الحقائب رافضين تكريس أي حقيبة لأي طائفة. لكن الدعوة إلى المؤتمر مغامرة غير مضمونة لأن الانهيار الاقتصادي لن ينتظر دهاليز النقاشات حول التسوية السياسية حول مستقبل النظام.

هل ستصطدم صيغة الحريري "لمرة واحدة" برفض الثنائي الشيعي، فيصر على تسمية الوزير بدلاً من الرئيس المكلف؟ ومن الذي سيعلنها لمرة واحدة: الرئيس أديب أم الرئيس ميشال عون أم مجلس الوزراء العتيد؟ فالرئيس عون سعى إلى الحصول على وزارة المال منذ الأسبوع الأول لتكليف الرئيس أديب، فاقترح أن تسند مع وزارة الداخلية إلى وزيرين مسيحيين، بنية تسميتهما من قبل رئيس الجمهورية، على أن تسند حقيبتا الخارجية والدفاع إلى المسلمين، عكس التوزيع الذي عمل الرئيس المكلف عليه، إذ كان ينوي إسناد المال للسنة والداخلية للشيعة على أن يتولى ماروني الدفاع، وتسند الخارجية إلى أرثوذكسي. هدف الرئيس عون كان أن يسمي هو و"التيار الوطني الحر" الوزيرين المسيحيين في المال والداخلية، وفقاً لمبدأ حاجة رئيس الجمهورية إلى أن يكون له وزراء يطرحون موقفه في مجلس الوزراء ويصوتون إلى جانبه. ولذلك أيضاً أشار في بيانه الإثنين إلى أن رئيس الجمهورية حين يرأس مجلس الوزراء لا يصوت وفقاً للدستور. وأقرن اقتراحه بإلغاء التوزيع الطائفي للحقائب السيادية بإعلانه أن الكتل النيابية رفضت تسمية وزراء بالنيابة عنها كونها ستمنح الثقة للحكومة. وهذا لإتاحة المجال أمام "التيار الحر" كي يسمي الوزراء المسيحيين، كما في حكومة حسان دياب.

لكن اقتراح عون يعني أنه بات في إمكان وزراء من الكاثوليك والأرمن والأقليات أن يتولوا وزارتين سياديتين بدلاً من حصرهما بالموارنة والأرثوذكس، وبات للدروز إمكانية تولي إحدى الوزارتين السياديتين اللتين كانتا محصورتين بالسنة والشيعة، ما يطرح في حال تولي درزي إحداهما، إشكالية من يتولى الثانية سني أم شيعي؟ ففريق الرئاسة يطمح، منذ بداية المأزق، عبر المخارج التي يطرحها، (رفضها "حزب الله")، للحصول على مكاسب من وراء ما يعتبره خلافاً وتناحراً سنياً شيعياً.

يتجرع الحريري "السم" ويغامر مجدداً بمستقبله السياسي أكثر من السابق، بحجة إنقاذ المبادرة الفرنسية، فكيف سيتعاطى "الثنائي" وعون؟