جاد حداد

The Red Sea Diving Resort... نسخة شائبة من قصة حقيقية

24 أيلول 2020

02 : 00

تحمل هوليوود تاريخاً حافلاً في تحويل القصص البطولية الحقيقية إلى أفلام تشويق سينمائية. تأخذ أفضل الأعمال قصصاً مروعة وخطيرة وتعرضها على شكل حكايات تترك صدىً كبيراً لدى الجمهور الذي يجلس لمشاهدتها في صالات السينما أو في المنزل المريح. ينتقل المشاهدون إلى زمن القصة ومكانها وغالباً ما يسألنا الفيلم عمّا كنا لنفعله لو أننا واجهنا الظروف نفسها: هل كنا لنثبت براعتنا ونتحول إلى أبطال؟ حتى أن أعظم الأعمال تحمل ميزة لا تقدّمها الكتب غير الروائية، فتُغلّف القصص الحقيقية بطابع درامي عالي المستوى، وتُغنيها بشخصيات ثلاثية الأبعاد وواقعية لأقصى حد، وتُذكّرنا بالعامل الإنساني الراسخ في الأعمال البطولية. لكنّ فيلم The Red Sea Diving Resort (منتجع الغوص في البحر الأحمر) الذي يُعرَض على شبكة "نتفلكس" للمخرج جدعون راف لا يقوم بأيٍّ من هذه الأشياء. بل إنه يحوّل الأبطال الحقيقيين إلى شخصيات مجازية عامة وينسب صفة التلاعب إلى الضحايا. غالباً ما تشكّل القصص البطولية الحقيقية مصدر إلهام للمشاهدين حين تعرض القدرات الكامنة في الظروف البشرية، لكنّ هذا الفيلم يترك لدى المشاهدين شعوراً بالإحباط بكل بساطة.

يسرد فيلم The Red Sea Diving Resort قصة حقيقية عن عملاء في الموساد ينقذون مئات اللاجئين الإثيوبيين اليهود عن طريق السودان قبل إعادتهم إلى إسرائيل في بداية الثمانينات. تتّضح أجواء الفيلم في مشهده الافتتاحي، حيث نشاهد إثيوبيين يهربون من أشرار مسلّحين نحو شاحنات مجاورة. يكون أحد الأولاد مفقوداً ويُفترض أنه يلعب بطائرته في الحقل. الشخص الوحيد القادر على إنقاذه هو البطل "آري ليفينسون" (كريس إيفانز) الذي يصل إلى الفتى قبل أن يستهدفه إطلاق النار بثوانٍ. يشمل الفيلم جميع عناصر التشويق الاعتيادية: طفل في خطر، ومنقذ أبيض، وشبه مأساة تتحول إلى مشهد حركة قوي.





يقع "آري" وفريقه ضحية الأَسْر ويضطرون للعودة إلى إسرائيل، لكن لا يستطيع بطل القصة أن ينام وهو يعرف أن الإثيوبيين اليهود يحتاجون إلى مساعدته، منهم صديقه "كيبيدي بيمرو" (مايكل ك. ويليامز الذي يُهدِر العمل موهبته بشكلٍ مريع فلا يظهر إلا في نصف مدة الفيلم ويقتصر دوره على إظهار تفانيه عند عودته). يضع "آري" خطة مدروسة: تنوي الحكومة الإسرائيلية شراء منتجع صيد مهجور على ساحل السودان (إنه المنتجع المذكور في العنوان) وسيستعمله الفريق لتحرير العالقين في إثيوبيا. يشمل الفريق "سامي نافون" المتحفظ طوال الوقت (أليساندرو نيفولا)، و"رايتشل رايتر" القوية (هايلي بينيت)، وجايك وولف (ميشال هوسمان)، و"ماكس روز" (أليكس هاسيل). ويظهر غريغ كينيار وبن كينغسلي بدور عنصرَين لا يصدقان مدى جرأة وتهور "آري". في مرحلة معينة، يصفونه حرفياً بالرجل "المتهور والخارج عن السيطرة". في نهاية المطاف، يبدأ أعضاء الفريق بإدارة المنتجع على اعتبار أنه تغطية مثالية لنشاطاتهم ومبرراً لوجودهم هناك.

قد يكون هذا التفصيل الأخير دقيقاً من الناحية التاريخية، لكنه يؤدي إلى واحد من أكثر التحولات الصادمة في أجواء أي فيلم منذ سنوات. بعدما يقرر أعضاء الفريق إبقاء المنتجع مفتوحاً، يقوم المخرج راف بمونتاج غريب لتجسيد أجواء العمل في الفندق على وقع أغنية Hungry Like the Wolf لفرقة "دوران دوران" ويستكمل الأحداث بتقطيع المشاهد بأسلوب يذكّرنا بفترة الثمانينات فيما يعزف الممثل نيفولا الأغنية نفسها على غيتار صوتي. ثم يبدأ مشهد للشخصية الشريرة في الفيلم فوراً: إنه العقيد عبد الأحمد الذي يستجوب اللاجئين حول تراجع أعدادهم عبر إطلاق النار على رؤوسهم كما يحصل في عمليات الإعدام. يؤدي دوره كريس تشاك الذي يقدم أفضل أداء على الإطلاق ويبدو خطيراً لأقصى الدرجات. هذا المشهد ليس قوياً بكل بساطة بل صادم بمعنى الكلمة.

هذه القفزة القوية في إيقاع الفيلم تستحق التنويه على الأقل، مع أنها مريعة، لأن معظم الأحداث الأخرى مُحبِطة ويسهل نسيانها. يُشدد السيناريو على مزايا ودوافع كل شخصية، لكنّ الحوار المرتبط بعدم التخلي عن أحد قد يبدو مبتذلاً ومصطنعاً في أي فيلم تلفزيوني في فترة الثمانينات ويسهل أن يتخذ طابعاً مسرحياً مبالغاً فيه بعد 40 سنة. تتكلم هذه الشخصيات دوماً عن خطورة المهمة الموكلة إليها أو أهميتها أو الإنجازات المدهشة التي حققها العناصر خلال تلك العملية. إنهم "أبطال" في نهاية المطاف ويجب ألا ننسى ذلك، لكنهم ليسوا أشخاصاً حقيقيين.

لا أحد يجرؤ على إنكار ما فعله عملاء الموساد لإنقاذ حياة الكثيرين عبر ذلك المنتجع، لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن ينجح أي فيلم يتطرق إلى هذا الموضوع. يبدو أن جميع المشاركين فيThe Red Sea Diving Resort افترضوا أن القصة الأصلية مؤثرة بحد ذاتها لدرجة ألا يحتاجوا إلى بذل جهود كبرى لتحويل العمل إلى فيلم مُلهِم وقيّم. قد لا يعرف معظم المشاهدين هذه القصة قبل مشاهدة الفيلم لكنهم لن يشعروا بأنهم تعرّفوا على قصة جديدة بعد مشاهدته أيضاً!