ايدي اللمع، حكاية حب لا يموت من لندن إلى بيروت

18 : 13

هي الأوطان تسكننا، تأبى الرحيل وإن هاجرت الأجساد، فيبقى الحنين مهما طال الزمن....

هي حكاية "إيدي منيب اللمع"، الذي حمله أهله طفلاً، مع شقيقه الأصغر مايك إلى عاصمة الضباب لندن، سعياً لرزق وأمان غابا في وطن الأرز.

لكن جرح بيروت الذي انفجر في الرابع من شهر آب الماضي فتح جروحاً في نفس ابن زحله وعائلته الوفية للوطن اللبناني.

في لحظة ألم انسانيّ كبير قرّر "ايدي"، رجل الأعمال الناجح في بريطانيا، أن يترك عائلته الصغيرة المؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال، أكبرهم في الرابعة من عمره، أن يبادر إلى مساعدة بلده لبنان وعاصمته النازفة بيروت، ليبدأ مغامرة إنسانية، رياضية وإيمانية، بالتعاون مع جمعية الصليب الأحمر البريطاني، ودعم كل~ افراد عائلته.

اشترى ايدي اللمع أول دراجة هوائية في حياته الفتية (مواليد بيروت 1982) ليقوم بهذه المغامرة حباً وتضامناً مع وطنه الأم لبنان وشعبه المتألم.

كان التحدّي كبيراً لرجل لم يسبق له ممارسة هذه الهواية، أن يجتاز معظم الدول الأوروبية وصولاً الى لبنان على متن الدراجة الهوائية. هي مسافة 4300 كم، قطعها ايدي خلال 35 يوماً بهدف جمع التبرعات لمصلحة ضحايا تفجير بيروت الدامي، عبر صفحة تواصل على شبكة الانترنت، برفقة أبيه منيب وشقيقه مايك الذي واكبه، مع والده، في حافلة مستأجرة تأميناً لكافة لوازم الراحة والمتابعة طوال المغامرة.

بدأ ايدي الرحلة من لندن يوم الإثنين في 17 آب واضعاً نصب عينيه جمع تبرعات لمساعدة الضحايا، ليقطع "عاشق لبنان" معظم دول أوروبا من إنكلترا الى تركيا مروراً بفرنسا، بلجيكا، هولندا، المانيا، النمسا، المجر، كرواتيا، صربيا، بلغاريا، على الدراجة الهوائية برفقة صديقه الأفغاني رومان، خلال 35 يوماً دون توقف ليسجل عدّاده ما مجموعه 4200 كم، قبل الانتقال من مرفأ مرسين التركي إلى مرفأ طرابلس بحراً.

وصل ايدي وشقيقه مايك ووالده وصديقه إلى طرابلس مساء يوم الأربعاء في 23 أيلول الجاري، حيث كانت في استقبالهم الوالدة ناديا والشقيقة الصغرى كريستينا، بعد وصولهما من لندن جواً صباح اليوم نفسه.

في مدينة طرابلس، لم يكن أمام ايدي إلا التوجه نحو أفضل مؤسّسة للدراجات في الشمال اللبناني، لتلقى دراجته أفضل معاينة وإعادة تجهيز على يد بطل لبنان الأسبق لرياضة الدراجات محمد العلي في مؤسسته " ذي بايك شوب"، حيث تولى شخصياً معاينتها وتجديدها بعد رحلة أوروبا المضنية، ثم تأمين دراجة لصديقه رومان ولشقيقته كريستينا، المولودة في لندن، والتي رغبت بمرافقة شقيقها الأكبر في ختام مغامرته لقطع الكيلومترات الأخيرة على أرض الوطن.

عند التاسعة من صباح يوم الخميس في 24 أيلول الجاري انطلق ايدي، بعد مقابلة تلفزيونية مع محطة MTV اللبنانية، محاطاً بصديقه رومان وشقيقته كريستينا، وثلاثة دراجين لبنانيين قدموا من بيروت لمواكبته في الكيلومترات المئة الأخيرة.

الاستراحة الأولى كانت في جبيل، حيث أعدًت بلديتها استقبالاً حاشداً للمغامر اللبناني، ومقابلة تلفزيونية ثانية مع محطة LBC، توجه فيها ايدي بكلمات من القلب خنقتها غصّة مكبوتة في رسالة أمل للضحايا والمصابين.

هي لحظات قليلة قبل أن تعاود الكوكبة مسيرتها الدرّاجة نحو بيروت، بصحبة عدد من سيارات الأهل والأصدقاء ورابطة الصليب الأحمر البريطاني، فكان الوصول الى مرفأ بيروت حوالي الساعة الثانية بعد الظهر.

أما المحطة الأخيرة فكانت في مركز الصليب الأحمر اللبناني في الجميزة، حيث أعدّ إستقبال حاشد للبناني العائد ومرافقيه، وكانت كلمات شكر من رئيس المركز ومدير العمليات، واختتم اللقاء بكلمة مؤثرة عبّر فيها ايدي مجدداً عن حبّه للبنان وتأثره بما شهده، منوهاً بجهود الصليب الأحمر اللبناني ورسالته العظيمة وتضحياته الجبّارة، متمنياً عدم توقف حملة التبرعات عند الرقم الذي بلغته وهو 65000 دولار أميركي، ثم كان كوكتيل ختامي والتقاط الصور التذكارية.

هو حبّ لا يقاس بالكلمات ومشاعر أقوى من أن تمحوها سنوات الاغتراب، دفعت ربّ عائلة، بريطاني الهوية والعيش، ليلبي نداء أهله في الوطن الذي لم ينسه يوماً.

هذا الوطن الذي خذله مسؤولوه وأثرياؤه.

هذا الوطن الذي ينهض من رماده كل مرّة بعناية الهية ورسل حبّ وسلام من حيث لا تعلمون.

هو الأمل في خضمّ الألم،

هو الحبّ الصادق

والحبّ أقوى من الموت.

شكراً ايدي لمع على حبّك العظيم لبيروت، للبنان، ولشعب لا ولن يموت.

MISS 3