الياس دمّر

هل فقد "مهرجان Sundance" سحره؟

فيلم "Twinless" عن "مجتمع الميم" يحصد جائزة الجمهور

بعد مرور جائحة كورونا وعودة عشّاق ومتابعي السّينما إلى المهرجانات، بدت الدّورتان الأخيرتان للاحتفاليّة السينمائيّة الأميركيّة الأشهر أقل حجماً وحضوراً، كما لو أنَّ "مهرجان Sundance" أصبحَ ظلّاً لنفسه، خاصّةً بعد أن كثرت التّساؤلات والتكهُّنات الأسبوع الماضي حول مُستقبل المهرجان وإلى أي مدينة سينتقل في العام 2027. فهل يستبقي أجواءه الثلجيّة مع الانتقال إلى Cincinnati أم يختار مناخاً أقلّ برودة في Boulder؟ 



بانتظار الوجهة الجغرافيّة الجديدة، تبقى لهذا المهرجان مكانته في افتتاح الروزنامة السنويّة للمهرجانات السّينمائيّة، وبالأخص تلك التي تحتضن الأفلام المستقلّة و "دعم الأعمال الأكثر إبداعاً وإثارةً للاهتمام قدر الإمكان"، كما أوضح مؤسّس المهرجان الممثّل والمخرج والمنتج Robert Redford. وفي عصرٍ تتفوّق فيه منصّات البث الرقميّة بالشراء المُتزايد للأفلام المُستقلّة وعرضها حصراً، للأسف بعيداً عن شاشات السّينما، تمكَّنت الدورة الأخيرة من المهرجان من منح العديد من الأعمال الدراميّة الجديدة مُتنفّساً سينمائيّاً قبل معرفة مصيرها، وإن وجدت من اشترى حقوق توزيعها!



خيارات جماهيريّة جسديّة

عند مشاهدة العديد من أفلام المهرجان عبر التّطبيق الرّقمي الذي ما زال مُتاحاً منذ أيّام كورونا، لاحظت أنّ المهرجان اختار العديد من الأفلام التي لديها فرصة نجاح جيّدة مع الجمهور بدءاً بفيلم "Together"، وهو قصّة رعب جسدي من بطولة الزوجين Alison Brie و Dave Franco بأسلوب بصري فذّ ووتيرة مُشوّقة. إضافةً إلى فيلم "The Ugly Stepsister" وهو نسخة مُغايرة لقصّة سندريلا الشّهيرة، من منظور إحدى الأخوات غير الشقيقات "القبيحات" التي تلجأ إلى تدابير مُتطرّفة لأسر قلب الأمير بدلاً من أختها الجميلة، وسط منافسة شرسة على الكمال الجسدي، حيث استخلصت استمتاعاً غير مسبوق من جهة فظاعة الرّعب لدى المخرجة النّروجيّة Emilie Blichfeldt، ولعلّها تفوّقت على نظيرتها الفرنسيّة المخرجة Coralie Fargeat، التي أحيَت بقوّة مؤخّراً موجة أفلام "Body-Horror-Flick" مع فيلمها الاستثنائي "The Substance" والمُرشّح لخمس "جوائز أوسكار" .


ونبقى في عالم الأجساد لكن الأقل رُعباً، مع فيلم "By Design" الذي يروي قصّة امرأة تتبادل الجسد مع كرسي، لتجد الجميع يفضّلونها أكثر كقطعة أثاث مُفيدة وجذّابة الشكل! الطّرح مؤثّرٌ لناحية استكشاف كيفية نظر النّساء إلى أهميّتهنّ وقيمتهنّ، على الرّغم من فقدان الشّخصيّة الأساسيّة، التي تلعبها ببراعة Juliette Lewis، أبعاد التّواصل القريب مع المُشاهد لجعلنا نهتم فعلاً بمصير جسدها الصامت أو هويّتها الخشبيّة المُتجدّدة!



أفلام مجتمع الميم في عهد "Trump 2.0"

منذ تأسيس المهرجان عام 1985، أصر المُنظّمون على أن تكون أفلام مجتمع الميم عنصراً أساسيّاً فيه. وقد عُرض حتّى ما يُناهز 400 فيلم في شتّى فئات المهرجان وعبر دوراته المُتتالية، حيث أنَّ أحد الأهداف الأساسية بحسب تقرير معهد "Sundance" هو أن يكون المهرجان داعماً على كلّ المستويات للفنانين، بما في ذلك المُمارسة الفعلية لإظهار أعمال أكثر تنوّعاً وشموليّة. لذلك لاحظنا خلال المهرجان تزايد تصريحات السّينمائيّين المناهضة لسياسة العهد الجديد "Trump 2.0" والتي وجدت تفاؤلاً في لائحة الأفلام المُمثّلة لمجتمع الميم. لكن كيف جاء هذا التّمثيل في الدّورة الأخيرة؟ وهل يستحق فيلم "Twinless" كل التّقدير؟


بعد مشاهدة العديد من الأفلام القصيرة والرّوائيّة الطويلة التي تحمل قصص شخصيّات مجتمع الميم، وجدتُ منها ما حمل تأمّلات مُعمّقة وذكيّة في طرح العلاقات الإنسانيّة بطريقة واقعيّة مهما كانت خلفيّة المُجتمع التي تجري الأحداث فيه، مثل الفيلم الكندي "Deux femmes en or" أو الهندي "Cactus Pears". والبعض الآخر، ترك المواضيع الأكثر أهميّة في الفيلم دون استكشاف، فوقع ضحيّة التشتُّت واللامبالاة في سبيل التّركيز الأحادي على هويّة البطل أو الضحيّة، مثل الفيلم الأميركي "Plainclothes" أو الفيلم الصيني "LUZ". أمّا بعد مُشاهدتي فيلم "Twinless" الحائز على "جائزة الجمهور لأفضل فيلم درامي"، فقد تفهَّمت خيار افتتاح المهرجان بهذا الفيلم بعيداً من أي أجندة ثقافيّة مفروضة أو برنامج إيديولوجي ممنهج. كما أنّ العادة جرت بأن تُخصّص اللّيلة الافتتاحيّة لأفلام النّجوم التي تجذب الحشود، دون أن تحمل بالضرورة ما هو قيّم في أبعادها، بعكس فيلم "Twinless"!


قصّة الفيلم تنطلق من لقاء بين رجليْن في مجموعة دعم للأشخاص الذين فقدوا أشقاء - توأم، لتنشأ بينهما صداقة غير متوقعة. باعتقادي ما ميَّز صيغة هذا الفيلم عن سواه، هو تركيزه بشدّة على دواخل شخصيّاته الأساسيّة تاركاً للمُشاهد حريّة التفكُّر في المكوّنات الخارجيّة. ولا يخشى ترك اللغة العامية الأميركيّة دون تفسير واثقاً من ذكاء جمهوره، دون أن يقع في فخ الأفلام النمطيّة لهذا النّوع، إذ إنَّ أفلام مجتمع الميم في وضع غير مُستقر اليوم، فهي حائرة بين الهويّة المتحرّرة والمواجهة الدفاعية، لتكثر خاصّةً على المنصّات الرّقميّة، تلك التي تتناول شخصيات مثلية الجنس تلقي المحاضرات على الجمهور حول قضاياها أو تستعين بنبرة أخلاقية سياسية تعليميّة مُدّعية. كما أنّ هناك أفلاماً أخرى سطحيّة ومُفرطة في التعميم، ترسم خطوطاً عريضة للحريّات التي يتمتع بها القرن الواحد والعشرين، غير آبهة بتفاصيل الواقع!