إيفون أنور صعيبي

هل تسقط "الفرسان" عن "صهوة" الموازنة؟

17 آب 2019

المصدر: نداء الوطن

01 : 17

يقتضي الاجتهاد ان تُبطل كل المواد المخالفة وغير المرتبطة بإيرادات ونفقات الحكومة
قالوا لنا ان موازنة العام 2019 ستحمل في جعبتها إصلاحات وتقشّفاً، وطلبوا منّا أن نقدّم المزيد من التضحيات. قالوا لنا إنّها ستكون حجر الأساس لموازنة الـ 2020 وجسر العبور إلى "سيدر" وطلبوا منّا أن نصبر على أساس ان الفرج آتٍ لا محالة. قالوا وطلبوا وزعموا أموراً كثيرة لتمرير القانون لكنّهم غفلوا عن السيناريو الأقرب إلى التنفيذ.."الطعن" بالمواد "الدخيلة".

تمّ ما كان متوقّعاً، ووقّع أحد عشر نائباً الطعن في قانون موازنة العام الحالي، بعد ان تضمنت مواد انتقصت من حقوق السلطة القضائية والسلكين العسكري والتربوي. اليوم باتت الكرة في ملعب المجلس الدستوري، أعلى سلطة قانونية، على ان ينطق بالعدالة ويعيد الحقوق المكتسبة الى أصحابها.

من المفترض ان يؤدي الطعن بطريقة اكيدة ولا لبس فيها الى إبطال المواد التي لا علاقة لها بالموازنة وتالياً إلغاء التعديلات التي ارتؤوها خصوصاً فرسان الموازنة، أي المواد التي لا يجوز أن تتضمنها أية موازنة. فمن حيث المبدأ، نظريتان اثنتان تسودان الموازنة، الاولى تعتبر أنها مجرد ارقام لتبيان ميزان الدولة ونفقاتها، اما الثانية وهي الاخطر فتتمثل باعتبار هذا المشروع بوابة لإدخال ما يعرف بـ"فرسان الموازنة"(Cavaliers Budgetaires) واقرار بنود تشريعية من خارج القوانين المالية المعمول بها لتكون سارية خلال الاعوام اللاحقة. إنّ الاجتهادات الفرنكوفونيّة والانغلوسكسونيّة وحتى اللبنانية كلها تصبّ في اتجاه الغاء هذه البنود الدخيلة والتي لا تمت الى القضايا المالية بصلة. يقتضي الاجتهاد ان تُبطل كل المواد المخالفة وغير المرتبطة بالايرادات والنفقات وهي التي شكلت عملياً الاسباب الموجبة للطعن لكي تُبطل. هنا لا بدّ من استذكار اجتهادات للمجلس الدستوري اذ ينص اجتهاد (العام 1997) على "انه لا يجوز للموازنة ان تنتقص من أي ضمانات للعاملين في القطاع العام، وعليها تالياً ان تتناول حصراً القضايا المالية للدولة". كما وينص اجتهاد آخر (العام 2000) على انه"عندما يسنّ المشترع قانوناً يتناول الحقوق والحريات الاساسية، فلا يسعه أن يعدّل او يلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحريات والحقوق من دون ان تحلّ مكانها نصوص أكثر ضمانة أو على الاقل تعادلها ضمانة وفعالية على حدّ سواء".

من هذا المنطلق، يوضح مرجع قانوني "انه لو أراد المشرّع ان يعدل قانوناً ما من ضمن الموازنة فعليه إحالة هذه القوانين قبل اقرار قانون الموازنة الجديد الى المجلس النيابي الذي يحولها بدوره الى اللجان المختصة. هناك تؤخذ آراء الجهات المعنية وعندئذ تُبطل هذه القوانين او تُعدَّل".

عن الموضوع تساءل مرجع من "نادي قضاة لبنان" عن كيفية المحاربة الفعلية للهدر والفساد والنفقات غير الضرورية. لقد لامس الدين العام سقف الـ 100 مليار لذا، بتنا أحوج الى ترسيخ فكر وطني بالاضافة الى مبدأ استقلالية السلطة القضائية اكثر من اقتطاع حقوق الناس المكتسبة. تنص المادة 5 من المرسوم الاشتراعي رقم 150 الصادر سنة 16-9-1983 على أنه فضلاً عن المقررات التي يتخذها مجلس القضاء الأعلى والآراء التي يبديها في الحالات المنصوص عليها في القانون والأنظمة، تناط به صلاحيات عدة من بينها إبداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء العدلي، واقتراح المشاريع والنصوص التي يراها مناسبة بهذا الشأن على وزير العدل. اي ان ابداء الرأي يجب ان يتبع الآلية القانونية، من هذا المنطلق، فان قانون الموازنة يخالف هذه المادة".

ويضيف المرجع " نحن على كامل الاستعداد للتضحية شرط ان تكون تضحياتنا مبنية على رؤية اقتصادية واضحة وخطة تقشفية عادلة. اما التطاول عشوائياً على جيوب العاملين في القطاع العام وحقوقهم المكتسبة خصوصاً وانه لم يتم التطرق الى ملف المرفأ الذي وحده كفيل بسد العجز، فأمر غير مقبول. ان الدستور واحد أوحد، وهو غير قابل للتغيير تحت أي ذريعة كانت".

طعنان للاطاحة بالمخالفات

من جهته يوضح العميد المتقاعد النائب جان طالوزيان ان "الطعنين اللذين أصابا موازنة الـ 2019 بُنيا على اقتراح نادي قضاة لبنان وعلى اقتراح العسكريين المتقاعدين وقد تناولا المواد المخالفة للقوانين والتي كنا قد اوضحنا اننا سنطعن بها. يعفي قانون ضريبة الدخل المتقاعدين من هذه الضرائب كما ان قانون الدفاع الوطني ينص على ان الطبابة للعسكر وعائلاتهم مجانية. فان كانت هناك حاجة للتطرق الى هذه النقاط لماذا لا نقوم بتعديل القوانين الاصلية وفقاً للاصول بدلاً من مخالفة القانون بقانون آخر؟ كثيرون هم الذين يحاضرون عن استقلالية القضاء ووجوب تحييده عن السياسة لكنهم في الوقت عينه يتطاولون على الحقوق المكتسبة وينتقدون الطعن المرتكز على الدستور".

ويضيف طالوزيان" تتضمن الموازنة عشرات النقاط غير الدستورية بدءاً من قطوعات الحساب وصولاً الى فرسان الموازنة. لكننا على ثقة بقرارات المجلس الدستوري لا سيما وان الطعن يعزز الحياة الديموقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات. وتجدر الاشارة الى ان المجلس الحالي هو من سيدرس الطعن حتى وان قامت الحكومة بتعيين الاعضاء الجدد عملاً بمبدأ استقرار عمل المحاكم".

أخطاء موازنة 2019

قبل الحديث عن موازنة 2020 او عن الاوهام المرتبطة بـ"سيدر" دعونا نبحث قليلاً عن أخطاء قانون الموازنة الحالي الفادحة وعجزها الفعلي، لا سيما وأن فرضية اقتراض 11 ألف مليار بفائدة 1% ليست مطروحة حتى الساعة على مصرف لبنان. يضاف الى ذلك ما سوف يؤدي تطبيق بعض المواد الضريبية الى كشف قطب مخفية يمكن أن تكون خارج الحسبان او موضع جدل.

"المثال على ذلك المادة 29 من قانون موازنة 2019 المتعلقة بتخفيض معدلات رسوم التسجيل العقاري الى 2و3% والتي سوف تقتصر على العقود الجارية والمسجلة قبل نشر قانون موازنة 2018 والتي لن تشمل عقود البيع الجديدة، التي سوف تبقى خاضعة للنسب القديمة 3و5% الأمر الذي يتعارض مع مبادئ العدالة والمساواة كما هي الحال بالنسبة الى مكافأة المخالفين والمتخلفين عن دفع الضرائب بإعفائهم من نسبة عالية من أصل الضريبة والغرامات لمجرد تقديمهم اعتراضات لم تبت بها الإدارة" يقول الخبير في شؤون الموازنة غسان بيضون.

كالعادة، فان الإيرادات المحققة والمحصلة سوف تكون أقل من المتوقع خلافاً للإنفاق الذي لا شك انه سيكون في حده الأقصى قياساً على أرقام الاعتمادات المفتوحة في قانون الموازنة. هذا من دون ان ننسى شرط إنجاز ديوان المحاسبة تدقيق حسابات السنوات الماضية خلال مهلة ستة أشهر الأمر الذي يبدو مستحيلاً حتى اليوم. لا سيما وأن الموارد البشرية الجديدة تحتاج الى فترة غير وجيزة للتعرف على طبيعة المهمة وواقع الحسابات وتقييم النظم التي ترعى إعدادها وتحدد أسس تدقيقها والتدريب على تطبيقها.

من حيث التقديرات فان نتائج موازنة 2019 ستكون كارثية على مستوى العجز الفعلي للموازنة من جهة ومن جهة ثانية على مستوى نتائج الطعن والاعتراضات خصوصاً وانه وبحسب قانون المحاسبة العمومية الصادر العام 1963 فان قانون الموازنة عليه ان ينص على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات وإجازة الجباية وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة فقط. لذا يبقى الرهان على المجلس الدستوري الذي من شأنه ان يعيد دور المبادئ الدستورية ويؤمن العدالة للمصلحة العامة ويصوّب مسار العمل النيابي ويذكّر بأهمية السلطة القضائية المستقلة.


MISS 3