هشام بو ناصيف

أسئلة لحكومة لبنان

بأيّ معيار، لم يكن ينبغي تمثيل "حزب اللّه" ونبيه برّي في الحكومة اللبنانيّة التي تشكّلت مؤخّراً، دع عنك تسليم برّي وزارة المال. من اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، إلى توريط لبنان بحرب مدمّرة مع اسرائيل عام 2006، إلى اجتياح بيروت والجبل عام 2008، إلى سلسلة الاغتيالات التي طاولت قوى 14 آذار، وصولاً إلى زجّ لبنان بحرب الإسناد عام 2023، لم يؤذِ طرف داخلي أو خارجي بلادنا كما أذاها "الحزب" الخميني. أمّا نبيه برّي، فهو بالتأكيد أسوأ رئيس مجلس نيابي في تاريخنا الحديث. زمن ثورة 17 تشرين، أطلقت شرطة مجلس النوّاب، التابعة لبرّي، النار على متظاهرين عزّل. ومعلوم أنّ مجلس الجنوب التابع بدوره لبرّي يبتلع أموال المكلّف اللبناني منذ عقود من دون رقابة عليه. ثمّ إنّ برّي زاد من تعطيل النظام المعطّل أصلاً عندما استمرأ لعبة فتح أبواب المجلس النيابي أو إقفالها وفق أهواء محرّكيه الخمينيّين. بالحقيقة، لا تتّسع هذه المقالة لسرد كلّ الموبقات التي ارتكبها "الثنائي" الشيعي في العقود الأخيرة. ماذا يفعلان في حكومة يفترض أنّها إنقاذيّة؟


الجواب الذي أعطاه أقطاب النظام اللبناني هو أنّ الحكومة الجديدة لا تريد إقصاء أحد. الترجمة: مهما فعل "الثنائي" وارتكب، هو يمثّل الشيعة. تالياً، لا مفرّ من مشاركته بالسلطة المركزيّة. هكذا يفرض نظام الطائف على كلّ المكوّنات تحمّل تغوّل قوى مكوّن واحد، أو تتعطّل الأمور، ولا تحصل الحكومة على الثقة، وربّما، يتحرّك الشارع وتغرق البلاد بالفوضى. هكذا، أيضاً، تصبح فكرة محاسبة المرتكب ضرباً من خيال، ويختبئ الجميع خلف شعار "لا غالب، ولا مغلوب"، وهو ضمانة تتبادلها القوى السياسيّة، مفادها أنّ حفلات الشتائم وشدّ عصب الطوائف مسرح سياسي سرعان ما ينتهي، ثمّ يجلس الجميع إلى طاولة تشكيل السلطة.


والحال إنّ لبنان يعاني من أزمة نظام هي جذر عميق لمصاعبه. لن تطرح الحكومة أزمة النظام لأنّ قواها مرتاحة له. يبقى أنّ هناك حدّاً أدنى يفترض أن تتصدّى الحكومة له، أهمّه مسألة السلاح. للتذكير، مرّت أسابيع على اتّفاق وقف النار الذي فرضته اسرائيل على "حزب اللّه" المهزوم، ولم نرَ الجيش اللبناني يصادر مخزناً غير شرعي واحد حتّى الساعة. ماذا تنوي السلطة أن تفعل بما بقي من سلاح "حزب الله"؟ استطرادا، ماذا ستفعل الحكومة بسلاح المخيّمات الفلسطينيّة، وسلاح العشائر البقاعيّة، وسلاح شبكات المهرّبين المرتبطين بها؟ كلّ هذه مسائل حارقة، ولا تحتمل التأجيل، أو مراضاة الخواطر. المسألة هنا واضحة: هل تكون الدولة، أو لا تكون.


الحكم على الحكومة الحاليّة، وعلى العهد، سيبقى معلّقاً، بانتظار الإجابة على هذا السؤال قبل أيّ سؤال آخر.


أمّا بالنسبة للإصلاحات، فيفترض العمل على خطّين متوازيين. من جهة، وضع خطّة لإعادة أموال المودعين. ومن جهة ثانية، الشروع بتحويل اللامركزيّة الموسّعة من شعار يتغنّى الجميع به إلى واقع على الأرض. وتعني اللامركزيّة، من ضمن ما تعنيه، فتح مطارين مدنيّين جديدين، في حامات، وفي القليعات. لا يوجد سبب واحد يبرّر الإبقاء على أحاديّة المطار الحالي قرب ضاحية بيروت الجنوبيّة، وفتح مطارين إضافيّين سهل تقنيّاً، إذا توفّر القرار السياسي. فهل يتوفّر؟


هذه هي، باختصار، المواضيع الثلاثة التي سيحكم اللبنانيّون على الحكومة، والعهد، من خلالها: السلاح، أموال المودعين، واللامركزيّة. إذا فشلت السلطة بالتصدّي لهذه القضايا، فلن يختلف مستقبل لبنان عن ماضيه المأسوي. وإن نجحت، فنكون تقدّمنا صوب الحلّ. أمّا الحلّ نفسه، وشرطه تغيير شكل الحكم المركزي، فيتطلّب بروز قوى جديدة مستعدّة لمواجهة طويلة الأمد مع نظام الطائف.