منذ تعديلات الطائف على الدستور، والترويج المغلوط جار بأسلوب مخطط له حول هشاشة صلاحيات رئيس الجمهورية. وكأنهم يسعون بنا إلى تعرية الموقع الأول وجعله كملكة إنكلترا التي تملك ولا تحكم.
لكن واقع النص يناقض هذا المفهوم المجتزأ حول الدور والوظيفة الدستورية لسيد بعبدا. فالرئيس هو بشخصيّته وتاريخه ومحيطه وفريقه وأخيراً بالنصوص والصلاحيات. وعليه، فإنْ أحسَنَ تطبيق مفهوم الشراكة، نجح في تحقيق الأهداف وما يصبو اليه. أما إن خاصم، وانعدمت لديه القدرة على توجيه الدولة من خلال موقعه، ساعتئذ "ذنبو ع جنبه".
أما مقولة إن الرئيس حكَم وليس حاكماً، ففيها افتئات على الموقع الأول في الدولة، وإضعاف لدوره ومهامه. ولا تتعلق المسألة بعدم التصويت في مجلس الوزراء، لا بل على العكس من ذلك. فعدم تزويد رئيس الجمهورية بهذه الصلاحية، هو نوع من امتياز وتمييز. فكيف تريدون لفخامة الرئيس أن يتشابه مع معالي الوزير الذي يجلس على طاولة عندما يحضر الرئيس فيترأس الجالسين إليها ومنهم رئيس الحكومة؟
من هنا، يمكن القول إن الرئيس بشخصيّته وحضوره وطيفه، فإنْ نجحَ بهذا الامتياز قُدّر له أن يُمسك بالدولة والحكومة والوزراء.
ولعلّ التجربة الفاشلة للرئيس الأسبق لهي خير كتاب توجيهي كي يستفيد الرئيس من ذاك العهد الجهنميّ على ما وصفه ميشال عون شخصياً.
يتطلب نجاح الرئيس عون الحالي سلوكاً، هو في الواقع عكس ما نهجه سلفه الذي أبعدَ واستبعَد وعادى معظم المكونات المجتمعية والسياسية والروحية. وعليه، فإنّ منطلقات النجاح تتجلّى من خلال كسب ودّ المجتمع السياسي وفي مقدمهم أكبر حزب مسيحي ساهم في الحفاظ على الجمهورية وقدّم نموذجية في امتهان الوزارة والإدارة والبرلمان، والمقصود حزب "القوات اللبنانية". وبطبيعة الحال، سيكون الصيد هنا وفيراً، والكسب مردوده لبنانياً.
كذلك لا مندوحة من حضن بكركي وتأثير بركة سيدها على الرئيس وعمله.
وسيمكّن هذان المدماكان صاحب العهد من مواجهة أعتى العواصف، وبخاصة أن الدعم الدولي والتغطية العربية غير مسبوقين ويمكن الاستفادة منهما في شتى القطاعات.
لماذا التركيز على "القوات اللبنانية" وبكركي؟
تاريخياً، كل رئيس حظي بدعم هذا المكوّن (ليس المقصود بـ "القوات" تنظيمياً بل بالمكوّن ) نجح الرئيس ونجحت معه الجمهورية.
وحتى لا يُساء الظنّ والتقدير، فإن هذه المقاربة ليس طائفية ولا مذهبية، بل هي قراءة تاريخيّة لواقع الرئاسة التي تصنعها كل الطوائف وليس حصراً بالموارنة وحدهم.
لكن الرئيس القوي لا يعادي أهل بيته، لأنه بذلك سيتعب ويُنهك معه العهد.
من هنا، إذا حصّن الرئيس موقعه مع أهل البيت، سهُلت عليه عملية لمّ الشمل والانطلاق بمعادلة التكاملية وتطبيق مفاهيمها، والتكاملية هي سرّ ازدهار الجمهورية وقوتها وسير عمل مؤسساتها..
هي أقنوم النجاح. إنّ ثلاثية التكاملية المسيحية-الإسلامية-الدرزية، هي السرّ العجيب لديمومة لبنان. فإن أجدنا إتقانها، نجحنا، وإن فشلنا غرق المركب.